في قلب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، يطفو على السطح ملف النقد الأجنبي باعتباره العنوان الأبرز لفوضى مالية تهدد الاستقرار. رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الدولة الاستشاري، سعيد ونيس، يسلط الضوء على مؤشرات مقلقة تشير إلى ارتفاع غير مسبوق في الاعتمادات المالية والطلب على النقد الأجنبي خلال الأشهر القليلة الماضية. ما الذي يحدث في كواليس المنظومة المصرفية؟ ولماذا تتسع رقعة الخلل في النظام المالي؟
يشير سعيد ونيس في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24” إلى أن المصارف الليبية تواجه اختلالًا عميقًا في آلية السيطرة على استخدامات النقد الأجنبي، إذ ارتفعت عمليات الصرف دون رقابة فعالة، الأمر الذي أدى إلى استنزاف الاحتياطي النقدي للدولة في ظل غياب معايير صارمة تحكم صرف العملات الأجنبية. تفاقمت هذه الأزمة مع تصاعد الطلب على الاعتمادات المستندية في عمليات الاستيراد، مما جعل النقد الأجنبي متاحًا بلا قيود واضحة، وأدى إلى اختلال كبير في السوق النقدي.
ومن بين الأبواب الخلفية التي ساهمت في تعميق الأزمة، يشير ونيس إلى التوسع الكبير في عمليات الصرف عبر بوليصة الشحن البري عبر الحدود، حيث تستنزف هذه العمليات النقد الأجنبي خارج القنوات الرسمية، مما يفتح المجال واسعًا أمام المضاربة والتهريب. في هذا السياق، لعبت شركات التفتيش دورًا سلبيًا، إذ باتت تمنح شهادات غير مطابقة للسلع المستوردة، ما يجعل من الرقابة المصرفية مجرد إجراء شكلي لا يحد من التلاعب القائم.
أما على مستوى المنافذ الجمركية، فإن الأزمة تبدو أكثر تعقيدًا، حيث يعاني هذا القطاع من انقسام فعلي وانعدام إحصائيات دقيقة وبيانات مجمعة عن جميع المنافذ، وهو ما يجعل من الصعب اتخاذ أي تدابير فعالة لمعالجة المشكلة. إن غياب قاعدة بيانات متكاملة يخلق فجوة واسعة بين الجهات المسؤولة، مما يزيد من صعوبة السيطرة على التهريب وسوء استخدام النقد الأجنبي.
وفقًا لتحذيرات ونيس، فإن استمرار الفوضى النقدية في ظل غياب التنسيق بين السلطات القائمة على السياسة النقدية والمالية والاقتصادية يضع ليبيا على حافة انهيار اقتصادي وشيك. فما لم تُتخذ خطوات حاسمة لإعادة ضبط النظام المصرفي والجمارك، وتعزيز الرقابة على عمليات الصرف والاستيراد، فإن التداعيات ستكون كارثية، ولن تقتصر فقط على النقد الأجنبي بل ستطال مجمل الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
في ظل هذه المعطيات، يصبح البحث عن حلول مستدامة أمرًا ملحًا. يرى الخبراء أن التنسيق بين المصرف المركزي والجهات الاقتصادية المعنية هو حجر الأساس لأي إصلاح حقيقي. كما أن تفعيل الرقابة المشددة على الاعتمادات المستندية، ومراجعة آليات الصرف، ووضع حد للفساد الجمركي، كلها خطوات لا غنى عنها لمنع تفاقم الأزمة. فهل ستشهد الفترة المقبلة تحركًا جادًا لإنقاذ الاقتصاد الليبي، أم أن شبح الانهيار سيبقى يلوح في الأفق؟