في بلدية الأصابعة، حيث تلتهم النيران المنازل تلو الأخرى، يبقى السؤال الأكبر معلقاً في الهواء: ما الذي أشعل هذه الحرائق الغامضة؟ هل هي مجرد صدفة أم أن هناك يداً خفية تلعب في الخفاء؟ هذه التساؤلات ليست جديدة على أهالي الأصابعة، الذين عانوا من ظاهرة الحرائق المتكررة منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكن ما يحدث الآن يختلف في حجمه ووتيرته، مما يدفع بالكثيرين إلى المطالبة بالكشف عن الحقيقة قبل صرف أي تعويضات.
منذ عقود، والأصابعة تشهد حرائق متفرقة، كانت تحدث على نطاق محدود ولم تلفت انتباه السلطات بشكل جدي. لكن في الأسبوع الماضي، تصاعدت الأزمة بشكل غير مسبوق، حيث طالت النيران عشرات المنازل، مما أدى إلى تشريد العائلات وتدمير ممتلكاتهم. هذه الأحداث أثارت غضب السكان، الذين طالبوا بالتحقيق في الأسباب الحقيقية وراء هذه الحرائق، بدلاً من الاكتفاء بتقديم تعويضات مالية.
قررت حكومة الدبيبة منتهية الولاية تخصيص 70 مليون دينار لتعويض المتضررين، وهو قرار قوبل بانتقادات واسعة من قبل السياسيين والقيادات المحلية. فالقضية ليست فقط في تقديم المال، بل في كشف الحقيقة ومعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة. عبد الوهاب عمر زوليه، رئيس لجنة الإدارة والحكم المحلي في مجلس النواب، أكد أن الوضع في الأصابعة “سيبقى غير مطمئن إلى أن يتم الكشف عن أسباب الحرائق”، مشيراً إلى أن التعويضات وحدها لن تحل المشكلة إذا استمرت الحرائق في الحدوث.
إحدى المشكلات الكبرى التي تواجه الأصابعة هي نقص البنية التحتية، حيث تفتقر البلدية إلى شبكات الصرف الصحي والخدمات الأساسية الأخرى. هذا النقص يجعل من الصعب التعامل مع الأزمات بشكل فعال، كما يزيد من تكاليف الإصلاحات والصيانة. زوليه أشار إلى أن “قيمة المخصصات التي حددتها الحكومة قد تكون كافية إذا توقفت الحرائق، أما إذا استمرت فلا يمكن التكهن بحجم التكلفة”، مؤكداً أن البلدية بحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية لمواجهة مثل هذه الأزمات في المستقبل.
السكان والسياسيون على حد سواء يطالبون بالعدالة والشفافية في التعامل مع هذه الأزمة. فهم لا يريدون فقط تعويضات مالية، بل يريدون معرفة الحقيقة الكاملة وراء هذه الحرائق المتكررة. البعض يشك في وجود دوافع سياسية أو اقتصادية وراء هذه الأحداث، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها ليبيا منذ سنوات.
الأصابعة تعيش في حالة من القلق وعدم اليقين، حيث تهدد النيران منازلهم وتدمر حياتهم. التعويضات المالية قد توفر بعض الراحة، لكنها لن تحل المشكلة الجذرية. ما يحتاجه أهالي الأصابعة هو تحقيق عادل وشامل يكشف عن أسباب هذه الحرائق الغامضة، بالإضافة إلى استثمارات حقيقية في البنية التحتية لضمان عدم تكرار هذه الأزمات في المستقبل. فقط عندها يمكن أن تتحقق العدالة الحقيقية، ويعود الأمان إلى هذه البلدة التي عانت كثيراً.