ليبيا الان

صراع النفط في ليبيا.. تنمية أم تجاوز للرقابة؟

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

في خطوة تحمل في طياتها وعودًا بالازدهار الاقتصادي لكنها تثير هواجس الرقابة المالية، طرحت حكومة الدبيبة منتهية الولاية مشاريع استكشاف النفط والغاز للمزايدة العامة، في أول دورة من نوعها منذ قرابة عقدين. وبينما يرى المسؤولون في هذا القرار فرصة ذهبية لتعزيز احتياطيات البلاد النفطية وجذب استثمارات كبرى، فإن الجهات الرقابية، وفي مقدمتها ديوان المحاسبة، أبدت مخاوفها من انعكاسات العقود طويلة الأجل على مستقبل الموارد الوطنية، معتبرة أن غياب الشفافية في عملية الطرح قد يفتح الباب أمام استغلال غير محسوب لثروات البلاد.

لم يكد يُعلن عن إطلاق الدورة الأولى من المزايدات الدولية، حتى انطلقت شرارة الخلاف بين حكومة عبد الحميد الدبيبة منتهية الولاية والجهات الرقابية. ففي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى إعادة تموضع ليبيا كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمي، شدد ديوان المحاسبة على ضرورة إجراء تقييم مالي دقيق قبل إبرام أي تعاقدات ملزمة.

ديوان المحاسبة، الذي أعرب عن قلقه من مخاطر الدخول في اتفاقيات طويلة الأمد، طالب الإدارة العامة للرقابة على قطاع الطاقة بإعداد تقرير تفصيلي حول العطاءات المطروحة، مشيرًا إلى أن الموازنة المخصصة لهذا القطاع، والتي تجاوزت 50 مليار دينار ليبي، تحتاج إلى مراجعة دقيقة لضمان استدامة الاستثمار وحماية الموارد الطبيعية من أي استغلال غير محسوب.

في المقابل، رد عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة منتهية الولاية، بحدة على التحفظات الرقابية، معتبرًا أن الجهات القضائية والرقابية تُعطل عجلة التنمية عبر فرض قيود غير مبررة على المشروعات الكبرى. واتهم الدبيبة هذه الجهات بأنها تعمل على عرقلة خطط الحكومة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، مشيرًا إلى أن المزايدات النفطية تمثل فرصة حقيقية لإنعاش الاقتصاد الليبي.

لكن هذه التصريحات لم تلقَ ترحيبًا واسعًا، حيث رأى البعض أنها محاولة لتجاوز الرقابة على المال العام، وفتح الباب أمام توقيع عقود قد تلزم الأجيال القادمة بتعهدات مالية دون ضمانات كافية لحماية الثروة النفطية.

المعارضة لهذا الطرح لم تأتِ فقط من ديوان المحاسبة، بل امتدت إلى البرلمان الليبي، حيث أشار نواب إلى أن القرار يتعارض مع قانون مجلس النواب رقم (15) لسنة 2023، الذي يحدد إطارًا قانونيًا للتعاقدات النفطية ويشدد على ضرورة موافقة الجهات التشريعية قبل إبرام أي صفقات كبرى.

محمد عون، وزير النفط والغاز الموقوف بحكومة الدبيبة، كان من أبرز المنتقدين لهذا الطرح، محذرًا من أن الشركات الأجنبية قد تتجاهل القوانين الليبية، مما قد يؤدي إلى إبرام اتفاقيات تفتقر إلى الضمانات اللازمة للحفاظ على حقوق الدولة. وأشار عون إلى أن الوزارة سبق أن قدمت مقترحًا لتطوير بعض الحقول النفطية وفق رؤية استراتيجية، لكن هذا المقترح لم يُنفذ بسبب التجاذبات السياسية والبيروقراطية.

لا شك أن قطاع النفط والغاز في ليبيا يمتلك إمكانات هائلة، إذ تشير التقديرات إلى أن الاحتياطيات غير المكتشفة تصل إلى 91 مليار برميل من المكافئ النفطي، ما يجعل البلاد واحدة من أهم الأسواق الواعدة في المنطقة. وتضم المزايدة الحالية 22 بلوكًا استكشافيًا، موزعة بين البر والبحر، وتحتوي بعض هذه المناطق على اكتشافات غير مطورة قد تضيف احتياطيات ضخمة إلى الإنتاج الوطني.

لكن في ظل غياب الاستقرار السياسي وضعف البيئة الأمنية، تظل هناك تحديات كبيرة أمام جذب الاستثمارات الأجنبية. فبحسب الخبير النفطي حسين الصديق، فإن التعاقدات الاستراتيجية تحتاج إلى إطار قانوني واضح، بعيدًا عن التدخلات السياسية التي تؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين.

في الوقت الذي تراهن فيه حكومة الدبيبة منتهية الولاية على أن هذه المزايدة ستكون بوابة لدخول ليبيا مرحلة جديدة من التنمية، يرى المحللون أن نجاحها يعتمد بشكل أساسي على توفر بيئة استثمارية مستقرة وإطار قانوني واضح يُطمئن الشركات الأجنبية. وبينما يبقى النفط شريان الحياة للاقتصاد الليبي، فإن كيفية إدارة هذه الثروة ستظل محور الجدل بين مؤسسات الدولة المختلفة، في معركة بين الحاجة إلى التنمية وضرورة الحفاظ على الشفافية والمساءلة المالية.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24