شهدت الساحة الليبية مؤخراً سجالاً اقتصادياً حول تقرير المصرف المركزي ورد حكومة عبد الحميد الدبيبة، منتهية الولاية. التقرير الذي أثار الجدل تطرق إلى الوضع المالي للدولة، مما دفع عضو مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي سابقًا، امراجع غيث، إلى تقديم رؤية نقدية لما ورد فيه، مشككاً في دقة بيان الحكومة بشأنه.
يرى غيث في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24“ أن رد الحكومة على التقرير لم يكن دقيقاً، موضحاً أن مثل هذه البيانات المالية ينبغي أن تصدر عن وزارة المالية، باعتبارها الجهة المسؤولة عن النفقات. إذ يرى أن المعطيات المالية الواردة تحتاج إلى جهة رسمية تمتلك القدرة على تحليل الإيرادات والمصروفات بشكل صحيح، وهو ما لم يتحقق، وفقاً لرأيه.
أحد أبرز النقاط التي أثارها غيث هو الفرق بين الفائض النقدي والفائض في الميزانية. حيث أشار إلى أن الحديث عن وجود فائض في الميزانية غير دقيق، موضحاً أن ما تمتلكه الدولة حالياً هو فائض نقدي ناتج عن عدم صرف بعض المستحقات، من بينها مرتبات شهر فبراير وعلاوة العائلة وعلاوة الأطفال، إضافة إلى التزامات أخرى لم يتم تنفيذها بعد.
ويؤكد غيث أن الفائض الحقيقي يقاس عند مقارنة الميزانية المعتمدة بما تم إنفاقه فعلياً، وليس بمجرد وجود أموال متبقية نتيجة عدم تنفيذ التزامات الدولة.
انتقد مراجع غيث سياسات المصرف المركزي فيما يتعلق بإدارة النقد الأجنبي، محملاً إياه مسؤولية زيادة الطلب على الدولار. وذكر أن المصرف قام بفتح الباب على مصراعيه للمخصصات الشخصية والاستيراد العشوائي، دون وضع أدوات رقابية صارمة تضمن استخدام النقد في الأوجه الصحيحة.
وأضاف أن المصرف المركزي تبنى سياسة السماح بالحصول على النقد الأجنبي لمحاربة السوق السوداء، لكنه اعتبر أن هذا النهج قد ينجح في دول مستقرة ذات قوانين صارمة، إلا أن الوضع في ليبيا مختلف تماماً. وأشار إلى أن ليبيا تضم نحو ثلاثة ملايين مهـاجر غير شـرعي يبحثون عن الدولار بأي سعر، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية واستنزاف الاحتياطي النقدي للدولة.
يرى محللون أن هذه النقاشات تعكس إشكاليات عميقة في إدارة الموارد المالية للدولة الليبية. فبينما تتحدث الحكومة عن فائض مالي، يرى خبراء اقتصاديون أن الفائض ليس حقيقياً، بل هو مجرد نتيجة لتأخير صرف التزامات مالية مستحقة.
أما فيما يخص سوق النقد الأجنبي، فإن غياب الرقابة على عمليات الصرف وفتح الباب للاستيراد غير المنظم أدى إلى مزيد من الضغوط على الدينار الليبي، في وقت لا تزال فيه البلاد تعاني من الانقسام السياسي والاقتصادي.
يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستتمكن السلطات من تصحيح المسار المالي واتخاذ سياسات نقدية أكثر انضباطاً، أم أن الجدل حول الأرقام والتقارير سيبقى مستمراً في ظل الظروف الحالية؟ المؤكد أن الوضع المالي في ليبيا لا يزال بحاجة إلى إصلاحات جوهرية لضمان استقرار الاقتصاد وتحقيق الشفافية في إدارة الموارد العامة.