استفاقت مدينة تاجوراء، على خبر صادم: اختطاف المهندس محمد القماطي، شقيق الناشط السياسي حسام القماطي، من منزله فجرًا على يد مجموعة مسلحة مجهولة. في مشهد أقرب إلى أفلام العصابات، لم يكن الهدف السرقة أو الانتقام الشخصي، بل رسالة واضحة ومباشرة إلى شقيقه المقيم في السويد، الذي لطالما وجه سهام النقد لحكومة الدبيبة، خاصة فيما يتعلق بالفساد المستشري في أجهزة الدولة.
لم تكتفِ الجهة الخاطفة بأخذ محمد، بل عادت بعد ساعات لتجريد منزله من كل الأجهزة الإلكترونية، وكأنها تحاول طمس أي أثر قد يقود إلى الجناة أو إلى كشف هوية المتورطين. هذا السلوك يثير تساؤلات جدية حول الجهة التي تقف وراء العملية، خاصة أن منطقة تاجوراء ليست أرضًا سائبة، بل تخضع لنفوذ ميليشيات وأجهزة أمنية لها سيطرة كاملة على الداخل والخارج.
الشارع الليبي لم يلتزم الصمت. فمنذ الإعلان عن الحادثة، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بموجة غضب عارمة، حيث اعتبر الكثيرون أن ما حدث هو مؤشر خطير على أن ليبيا لا تزال غارقة في عقلية الميليشيات، حيث يتم اختطاف الأبرياء لترهيب المعارضين. كيف يمكن لدولة تدّعي سيادة القانون أن تسمح بمثل هذه الانتهاكات؟
إذا اختلفت الآراء حول حسام القماطي ونشاطه السياسي، فهناك إجماع على أن ما حدث لشقيقه يتجاوز كل الخطوط الحمراء، إذ لا قانون ولا عرف ولا شرع يبيح اختطاف شخص لا لشيء سوى لأنه يحمل اسمًا معينًا! حتى في أكثر الأنظمة الاستبدادية، تبقى العائلة خطًا أحمر، لكن في ليبيا اليوم، يبدو أن كل شيء مباح إذا كان الهدف هو إسكات صوت معارض.
بهذه الكلمات اختتم حسام القماطي بيانه، محذرًا من أن ما يحدث اليوم معه قد يحدث مع أي ليبي غدًا. إن استخدام أساليب العصابات ضد النشطاء السياسيين لا يعني فقط انتهاك حقوق الإنسان، بل يكشف عن هشاشة السلطة القائمة التي تلجأ إلى التخويف بدل الحوار، وإلى الخطف بدل المواجهة العلنية.
وسط كل هذا، يبقى السؤال الأهم: أين المجتمع الدولي مما يحدث؟ المنظمات الحقوقية التي لا تفوّت أي فرصة للتنديد بانتهاكات حقوق الإنسان في أماكن أخرى، لماذا تصمت عندما يتعلق الأمر بليبيا؟ هل لأن الضحية ليس شخصية معروفة عالميًا؟ أم أن الفوضى الليبية أصبحت مشهدًا مألوفًا لا يستدعي حتى بيانات الاستنكار؟
بعيدًا عن لغة الانكسار، ظهر حسام القماطي أكثر تحديًا، متوعدًا بنشر مستندات جديدة تُدين المتورطين، ليس فقط في اختطاف شقيقه، ولكن في شبكة فساد أوسع تمتد إلى أعلى هرم السلطة. فهل ستكون هذه الوثائق قنبلة سياسية تهز أركان الحكومة؟ أم أن الرد سيكون بمزيد من القمع والتخويف؟
القصة هنا ليست مجرد حادثة اختطاف، بل رسالة لكل من يرفع صوته في وجه الفساد: “لا أحد في مأمن”. لكن التاريخ يُثبت أن القمع، مهما كان قاسيًا، لا يستطيع إخماد الحقيقة. فهل يكون اختطاف محمد القماطي هو الشرارة التي تُشعل انتفاضة جديدة ضد من يحاولون تكميم الأفواه؟
الأسئلة كثيرة، والإجابات مؤجلة.. لكن ما هو مؤكد أن حسام القماطي لن يصمت، والشعب الليبي لن ينسى.