يشهد المشهد الليبي مجددًا تصعيدًا حادًا في أزمة المناصب السيادية، مع احتدام النزاع بين رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، ووكيله، عطية الله السعيطي، الذي يسعى للاستحواذ على المنصب بدعم من جهات سياسية وقضائية. هذا الصراع يعيد إلى الأذهان أزمات مشابهة، أبرزها الخلاف حول رئاسة مصرف ليبيا المركزي العام الماضي، ما يعكس استمرار تنازع الشرعيات في البلاد.
محكمة نالوت أضافت بُعدًا قانونيًا جديدًا إلى الأزمة بقرارها القاضي بإيقاف شكشك عن ممارسة مهامه، ما عزز موقف السعيطي الذي سبق أن حصل على قرار تعيينه رئيسًا للديوان من رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، قبل أن يتم تجميده لاحقًا. في المقابل، لم يصدر عن شكشك أي تعليق رسمي، لكنه حظي بدعم ضمني من رئيس البرلمان، الذي طلب منه مواصلة عمله إلى حين تسوية الملف.
عضو مجلس النواب، علي التكبالي، وصف ما يحدث بأنه “صراع دائم على الوظائف السيادية في بلد غارق في الفوضى”، مشيرًا إلى ارتباطات سياسية وعائلية تعقّد الموقف. أما عضو المجلس الأعلى للدولة، عادل كرموس، فاعتبر أن “الحل سيفرضه واقع المصالح السياسية، كما حدث في أزمة المصرف المركزي”.
التدخلات الدولية لم تغب عن المشهد، حيث أصدرت سفارات الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بيانات تدعو إلى تحييد ديوان المحاسبة عن النزاعات السياسية. كما التقى شكشك بسفراء أوروبيين في محاولة لتعزيز موقفه.
ورغم المواقف الدولية، يرى التكبالي أن “الدعم الغربي ليس حاسمًا”، مستشهدًا بتجربة محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق، الصديق الكبير، الذي حظي بمساندة خارجية لكنه لم ينجُ من الضغوط الداخلية.
في ظل استمرار الأزمة، يبقى ديوان المحاسبة منقسمًا بين مقرين متوازيين في طرابلس، أحدهما تحت إدارة شكشك في منطقة الظهرة، والآخر يديره السعيطي من “قصور الضيافة” في الهضبة. هذا الواقع يعكس أزمة أوسع تشمل مختلف المناصب السيادية، التي تحولت إلى أوراق تفاوض بين الفرقاء السياسيين، ما يهدد بترسيخ حالة الجمود السياسي والإداري في البلاد.