اضطراب نقدي متجدد يعصف بليبيا مع اتساع فجوة الدولار
في مؤشر اقتصادي خطير، ووسط أجواء من الترقب والقلق الشعبي، سجل الدولار الأمريكي صعودًا ملحوظًا في السوق الموازية الليبية ليصل إلى 6.9 دنانير، متجاوزًا السعر الرسمي المشمول بالضريبة البالغ 5.6 دنانير، وبفارق بلغ 23%، ما يضع الاقتصاد الليبي على شفا اختلال نقدي جديد في ظل أزمات مزمنة متعددة.
وعلى الرغم من تطمينات مصرف ليبيا المركزي باستمرار ضخ النقد الأجنبي لتلبية الطلب المحلي، فإن الأسواق تشير إلى صورة مغايرة تعكس حالة من العجز المالي الواضح وتراجع القدرة على الاستجابة للضغوط الاقتصادية الآخذة في التصاعد، خاصة في ظل انكماش الإيرادات النفطية التي تُعد الشريان الحيوي للاقتصاد الوطني.
ففي بيان رسمي، أعلن المصرف عن مبيعات من النقد الأجنبي تجاوزت 2.3 مليار دولار خلال النصف الأول من مارس 2025، وُزعت بين أغراض شخصية واعتمادات مستندية، إلا أن المقابل من الإيرادات النفطية لم يتجاوز 778 مليون دولار، مما يكشف عن عجز صريح بين الموارد والمصروفات، ويهدد استقرار سعر الصرف بشكل مباشر.
هذا التفاوت العميق دفع العديد من المحللين للتحذير من تداعيات كارثية قد تضرب الاقتصاد الليبي في المدى القريب، حيث أشار المحلل الاقتصادي محمد الشيباني إلى أن السبب الجوهري وراء ارتفاع الدولار هو الفجوة بين الطلب المرتفع على العملة الصعبة وعائدات الدولة المتضائلة، معتبرًا أن السوق باتت تتحرك وفق منطق الخوف والتحوط، مما يزيد الطلب على الدولار كمخزن للقيمة.
من جانبه، لفت أستاذ الاقتصاد عادل المقرحي إلى أن الأزمة تتعمق بفعل الانقسام السياسي، وتعدد قنوات صرف النقد الأجنبي بين الحكومتين المتنافستين، فضلًا عن غياب الموازنة الموحدة والانفلات في الإنفاق العام، وهو ما يُفاقم العجز ويزيد من هشاشة المنظومة المالية.
الخبير المالي عبد الحكيم عامر غيث لم يكن أقل تشاؤمًا، محذرًا من أن استمرار ارتفاع الطلب على الدولار في ظل تعدد جهات الإنفاق قد يدفع المصرف المركزي إلى اتخاذ قرارات تقشفية أو فرض قيود جديدة على بيع العملة الأجنبية، مما قد يؤدي إلى اضطرابات إضافية في السوق.
وتزداد الأمور تعقيدًا مع إعلان مصرف ليبيا المركزي عن بلوغ صافي العجز في النقد الأجنبي نحو 5.2 مليارات دولار حتى نهاية 2024، محملًا المسؤولية لانخفاض الإيرادات النفطية بمقدار 6.8 مليارات دولار مقارنة بالعام السابق، ما يوضح مدى هشاشة البنية المالية للبلاد التي تعتمد بنسبة كبيرة على العوائد النفطية.
وتبقى آمال تحقيق استقرار نسبي معلقة على تحسن أسواق النفط وزيادة الإيرادات، إلا أن هذا الاحتمال لا يبدو قريبًا في ظل تقلبات الأسواق العالمية والانقسامات السياسية الداخلية، مما يضع مستقبل الاقتصاد الليبي في مهب رياح مجهولة الاتجاه.