شهدت الأسواق الليبية خلال الأسابيع الماضية موجة غلاء غير مسبوقة، حيث قفزت أسعار السلع الأساسية والكمالية بنسب تراوحت بين 18% و25%، وفقاً لتجار وموردين تحدثوا لوسائل إعلام محلية. هذا الارتفاع يأتي متزامناً مع قرار حكومي بتخفيض قيمة الدينار الليبي رسمياً بنسبة 13%، ليصل سعر الصرف الرسمي إلى 6.4 دينار للدولار، مع فرض ضريبة إضافية قدرها 15% على بيع العملات الأجنبية.
صدمة الأسعار وتداعياتها الاجتماعية
لم تكن الزيادة في الأسعار محصورة في فئة معينة من السلع، بل شملت المواد الغذائية الأساسية مثل اللحوم والألبان، وكذلك المواد التشغيلية للمصانع، ما أثر على سلسلة الإنتاج المحلي. وأفاد تجار في سوق الكريمية بطرابلس بأن الموردين رفعوا الأسعار فوراً بعد قرار التخفيض، بينما وجد المستهلكون أنفسهم أمام خيارين: تقليص الاستهلاك أو اللجوء إلى سلع رديئة بأسعار أقل.
أزمة مستوردين وتقصير حكومي
من جهة أخرى، يبرز المستوردون كطرفٍ يعاني من ضغوط مضاعفة. يقول عز الدين الرقيق، أحد موردي المواد الغذائية: “التكاليف ارتفعت بنسبة 25% بسبب ضريبة الدولار ورسوم الشحن والجمارك، لكن المواطن يوجه اللوم لنا وليس للسياسات الحكومية”. ويشير إلى أن غياب الدعم أو التسهيلات الرسمية يجعل خفض الأسعار مستحيلاً.
وفي رد فعل رسمي، أكد الناطق باسم وزارة الاقتصاد بخكومة الدبيبة منتهية الولاية، فوزي وادي، أن الوزارة تدرس إعادة النظر في ضريبة النقد الأجنبي، لكنه لم يحدد إطاراً زمنياً للإصلاحات.
مخاطر الركود التضخمي
يتجاوز الوضع الأزمة المعيشية العاجلة ليصل إلى تهديدات هيكلية. يحذر الخبير الاقتصادي محمد أبوسنينة من أن ليبيا تدخل مرحلة “الركود التضخمي”، حيث يجتمع ارتفاع الأسعار مع انكماش النشاط الاقتصادي وزيادة البطالة. ويُرجع السبب إلى سياسات نقدية متضاربة، مثل فرض الضرائب وتخفيض قيمة العملة دون دعم الإنتاج المحلي.
انعكاسات على الموانئ والواردات
تظهر بيانات الشركة الاشتراكية للموانئ انخفاضاً بنسبة 40% في حركة الشحن خلال 2024 مقارنة بالعام السابق، وهو ما يعكس تراجعاً حاداً في الاستيراد بسبب ارتفاع التكاليف. ويوضح مسؤول بالموانئ أن “التجار يقلصون مشترياتهم خوفاً من مخزون راكد لا يقدر عليه المستهلك”.
هل من مخرج؟
يقترح خبراء اقتصاد إجراءات عاجلة، منها: مراجعة سعر الصرف وضريبة الدولار، وتعزيز الرقابة على الأسواق لمنع الاحتكار، وحفيز الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
لكن هذه الحلول تبقى رهناً بتوافق سياسي غائب حتى الآن، مما يضع الاقتصاد الليبي أمام تحدياتٍ قد تطول.