لا تزال مخلفات الحرب في ليبيا تشكل كابوسًا يوميًا للمدنيين، حيث تحولت مساحات شاسعة من الأراضي إلى حقول موت غير مرئية. وفقًا لآخر إحصائيات الأمم المتحدة، بلغ عدد ضحايا الألغام والمتفجرات منذ مايو 2020 حتى مطلع 2025 نحو 300 ضحية، بينهم 125 قتيلًا، فيما تتزايد التحذيرات من تصاعد الخطر مع استمرار غياب الحلول الجذرية.
كارثة إنسانية بصمت
أكدت فاطمة زريق، رئيسة برنامج الأعمال المتعلقة بالألغام التابع للأمم المتحدة في ليبيا، أن الأرقام المسجلة – وإن بدت أقل نسبيًا مقارنة بدول مثل سوريا – تحمل أبعادًا مأساوية، خاصة مع ارتفاع نسبة الضحايا من الأطفال. وأشارت إلى أن أنواع المخلفات الحربية لا تقتصر على الألغام التقليدية، بل تشمل ذخائر غير منفجرة، عبوات ناسفة، ومخازن أسلحة غير آمنة، ما يجعل عمليات التطهير تحديًا تقنيًا وإنسانيًا معًا.
جهود محدودة.. وأرض شاسعة
كشفت الأمم المتحدة أن المساحة الملوثة في ليبيا تصل إلى 444 مليون متر مربع، وقد تستغرق إزالة التهديدات 15 عامًا حتى في أفضل الظروف. ورغم الإعلان عن انتشال مليون قطعة متفجرة و54 طنًا من الذخائر منذ 2011، إلا أن تقارير محلية تُظهر أن عام 2024 شهد ضِعف عدد الضحايا مقارنة بالعام السابق، ما يثير تساؤلات حول فاعلية الإجراءات الحالية.
عقبات تواجه المنقذين
من جانبه، كشف عبد العاطي الجطلاوي، ضابط في إدارة الهندسة العسكرية، عن معوقات تقنية تواجه فرق الإزالة، أبرزها: نقص التدريب على التعامل مع الألغام المتطورة، وعدم وجود خرائط دقيقة للمناطق الملوثة، إضافة إلى محدودية الدعم الدولي الذي لا يتجاوز تقديم الاستشارات دون توفير معدات متطورة.
استراتيجيات ورقية.. وواقع مرير
طالبت زريق بوضع استراتيجية وطنية تشمل التوعية وتنسيق الجهود، لكن الجطلاوي يرى أن أي خطط ستظل حبرًا على ورق طالما استمرت الانقسامات السياسية والأمنية. وتُظهر الوقائع أن بعض المدنيين يلجأون إلى طرق خطرة مثل رمي المخلفات في البحر أو تفكيكها يدويًا، مما يفاقم الكوارث.
السلام يبدأ بإزالة الألغام
في الوقت الذي تُدمّر فيه السلطات أطنانًا من المتفجرات بين الحين والآخر، كما حدث في طرابلس فبراير الماضي، يبقى السؤال: هل تكفي هذه الإجراءات الترقيعية؟ الإجابة تبدو واضحة في عيون الأهالي الذين يعبرون شوارعًا تحمل علامات “ممنوع المرور”، تذكيرًا دائمًا بحرب لم تنتهِ تداعياتها بعد.