في إحاطة مفصلة أمام مجلس الأمن الدولي، كشفت المبعوثة الأممية إلى ليبيا، حنا سيروا تيتيه، عن تعقيدات المشهد الليبي، مؤكدة أن استمرار الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية يتطلب تحركًا دوليًا منسقًا رغم اختلاف مصالح القوى الفاعلة. وجاءت كلمتها في ظل انقسام داخلي بين القادة الليبيين، وتصاعد التوترات العسكرية، وتفاقم الأزمات الإنسانية، ما يضع ليبيا أمام تحديات مصيرية.
أبرزت تيتيه الانقسام الحاد بين الفرقاء الليبيين؛ فبينما يرى بعضهم أن تشكيل حكومة موحدة هو الحل الأمثل، يعارض آخرون الفكرة باعتبارها تماطلًا في فترة انتقالية تجاوزت 15 عامًا. وأشارت إلى أن الاتفاق الوحيد بين الأطراف يكمن في ضرورة إجراء انتخابات، لكن الخلافات حول الإطار الدستوري تظل عقبة كأداء. وفي هذا الصدد، دعت إلى تعزيز المؤسسات القائمة كمدخل للإصلاح، بدلًا من إضافة هياكل جديدة قد تزيد الأزمة تعقيدًا.
لم تفت المبعوثة الأممية التطرق إلى الأزمة الاقتصادية، التي تفاقمت بسبب انقسام المؤسسات وغياب ميزانية موحدة، مما أدى إلى عجز في النقد الأجنبي، وتضخم، وانخفاض حاد في قيمة الدينار. وأكدت أن بعثتها تتشاور مع خبراء اقتصاديين لوضع إصلاحات مالية، محذرة من أزمة وشيكة إذا لم يتم الاتفاق على سياسة مالية موحدة. كما أشادت بوقف بيع النفط الخام مقابل الوقود كخطوة نحو الشفافية، لكنها حثت على ضمان تمويل الواردات الأساسية.
رغم صمود وقف إطلاق النار منذ 2020، حذرت تيتيه من أن التحركات العسكرية الأخيرة في طرابلس ومحيطها تهدد بإشعال العنف. كما استنكرت انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة ضد المهاجرين واللاجئين، مشيرة إلى تصاعد خطاب الكراهية والعنف الذي أدى إلى تعليق عمل بعض المنظمات الإنسانية ووفاة ثلاثة أشخاص بسبب نقص المساعدات.
أكدت المبعوثة الأممية أهمية الإسراع في إقرار قانون حماية المرأة من العنف، الذي تمت المصادقة عليه جزئيًا، لكنه يحتاج إلى إقرار نهائي. أما على صعيد الانتخابات المحلية، فقد أشارت إلى نجاح المرحلة الأولى، لكنها لفتت إلى تدخلات غير قانونية في نتائج بعض البلديات، مثل هراوة، حيث أُبعد الفائزون لصالح أمراء الحرب.
اختتمت تيتيه إحاطتها بالتأكيد على أن التقاعس الدولي سيكون أكثر كلفة من دعم التغيير، داعية إلى خريطة طريق توافقية تجمع بين الإصلاح السياسي والاقتصادي والأمني. لكن السؤال يبقى: هل يملك الليبيون والداعمون الدوليون الإرادة الكافية لتحقيق ذلك؟