كشفت دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة “نيتشر” عن اكتشاف مذهل لسلالة بشرية قديمة غير معروفة سابقًا، عاشت في منطقة تاكركوري بجنوب غرب ليبيا قبل نحو 9 آلاف عام. هذا الاكتشاف، الذي اعتمد على تحليل الحمض النووي القديم (aDNA)، يُظهر أن هذه المجموعة البشرية تمتعت بتركيبة جينية فريدة، لا تشبه أي سلالة معروفة في أفريقيا جنوب الصحراء أو الشرق الأدنى أو أوروبا، مما يدفع العلماء لإعادة النظر في النظريات السائدة حول الهجرات والتطور البشري في المنطقة.
أظهرت النتائج أن سكان تاكركوري انفصلوا عن السلف المشترك للبشر غير الأفارقة منذ حوالي 50 ألف عام، لكنهم ظلوا داخل القارة الأفريقية دون اختلاط يذكر مع المجموعات الأخرى. والأكثر إثارة هو أن تحليل الحمض النووي كشف عن نسبة ضئيلة جدًا من جينات إنسان نياندرتال (0.15%)، وهي أقل بكثير من تلك الموجودة في سكان أوراسيا القديمة، مما يشير إلى عزلة جينية طويلة الأمد.
تقول الدكتورة ندى سالم، الباحثة الرئيسية في الدراسة من معهد ماكس بلانك:
من المفارقات العلمية أن سكان تاكركوري مارسوا الرعي وتربية الماشية، رغم عدم وجود أدلة جينية على اختلاطهم بشعوب الشرق الأوسط أو أوروبا، حيث نشأت هذه الممارسات أولًا. هذا الاكتشاف يتحدى الفرضية التقليدية التي تربط بين انتشار التقنيات الزراعية وحركات الهجرة الكبرى، ويفتح الباب أمام نظريات جديدة حول انتقال المعرفة عبر التجارة أو التواصل الثقافي دون انتقال جيني واسع النطاق.
يرجح العلماء أن التغير المناخي كان العامل الرئيسي في اختفاء سلالة تاكركوري، حيث تحولت الصحراء من بيئة خصبة إلى صحراء قاحلة، مما أدى إلى تشتت المجتمعات أو اندماجها مع مجموعات أخرى. وتوضح سالم:
يُعتقد الآن أن سكان تافورالت في المغرب – الذين عاشوا في الفترة نفسها – قد يكونون انحدروا من جماعات مشابهة لـتاكركوري، وليس من مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء كما كان يُظن سابقًا. هذا يعزز نظرية التطور المحلي في شمال أفريقيا، ويدفع نحو مراجعة النماذج الجينية للسكان في العصر الحجري.
يُعد هذا الاكتشاف نافذة نادرة على تاريخ بشري منسي، حيث يثبت أن شمال أفريقيا شهد تنوعًا جينيًا مستقلًا، قبل أن تمحوه تحولات المناخ والهجرات اللاحقة. كما يسلط الضوء على دور العوامل البيئية في تشكيل مصائر الشعوب، وهو درس بالغ الأهمية في عصرنا الحالي، حيث يواجه العالم تحديات مناخية غير مسبوقة.