طرابلس – الوسط
على الرغم من أجواء «الهدنة الهشة» التي تهيمن على العاصمة طرابلس؛ فإن مؤشرات التصعيد تطفو على السطح بين الحين والآخر، باعثة قلقاً من اندلاع اشتباكات جديدة بين قوات تابعة لحكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» ومجموعات مسلحة مناهضة لها، في مقدمتها ما تعرف بـ«قوة الردع الخاصة».
أقوى تلك المؤشرات وفق مراقبين، كان إعلان رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة الأسبوع الماضي شروطه لعدم الدخول في تصعيد جديد، أولها تسليم مطلوبين للنائب العام المستشار الصديق الصور، إلى جانب إخضاع المطارات والموانئ والسجون لسلطة الدولة، وكذلك حل الميليشيات.
هل اختار الدبيبة لغة التصعيد؟
البعض اعتبر أن الدبيبة اختار الذهاب إلى لغة تصعيدية ضد مناوئيه، حين خاطب التشكيلات الخارجة عن القانون قائلاً: «صبرنا نفد وآن الأوان لبسـط سلطة الدولة»، كاشفاً عن ما قال إنه «إحباط عمليات توريد أسلحة من دول أخرى لبعض الميليشيات».
فحوى التصعيد الكلامي من جانب الدبيبة انعكس على تصريحات أطلقها وزير الداخلية عماد الطرابلسي، الذي أشار إلى «طلب من المجلس الرئاسي اتخاذ قرار حكيم حيال كافة الأجهزة الأمنية»، وألمح إلى ضرورة إخضاع المطار لسلطة الحكومة، قائلا «مطار طرابلس فرقنا في السابق ووحدنا حالياً وما حدث في 2014 كان فتنة وحتى الصحابة اختلفوا».
فيما التزم جهاز «الردع» بقيادة عبدالرؤوف كارة الصمت حيال تهديدات حكومة الوحدة، لم ينقطع الحديث عن تحشيدات عسكرية في العاصمة طيلة هذا الأسبوع.
عملية عسكرية خاصة في طرابلس
ويبدي عضو المجلس الأعلى للدولة أبوالقاسم قزيط أسفه «لتسارع التحضيرات لعملية عسكرية خاصة في طرابلس، على النمط الروسي»، وفق تعبيره.
ويذهب عضو المجلس الأعلى للدولة إلى الاعتقاد أن هناك «ضوءاً أخضر أو برتقالياً على الأقل من جهة ما… ليس لأن هذه العملية ضرورية أو مشروعة أو مأمونة العواقب، بل فقط لأن دماء الليبيين رخيصة».
ويتحصن الدبيبة بقيادات مسلحة في مسقط رأسه بمدينة مصراتة، بينما يتحالف كارة مع تشكيلات مسلحة مناوئة لحكومة «الوحدة» في الزاوية.
في هذه الأثناء شهدت وزارة الداخلية مراسم تسليم 800 مركبة آلية وهي ما عدتها الوزارة خطوة «لدعم مكونات وزارة الداخلية وتنفيذ خطتها الأمنية الشاملة».
وسبق أن نوهت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا بـ«قلقها البالغ» تجاه التحشيدات والتحركات العسكرية في مدينة طرابلس ومحيطها، وقالت إن «هذه الإجراءات من شأنها تقويض الاستقرار الهش الذي تعيشه العاصمة، وتنذر بتجدّد الاشتباكات التي تشكل تهديداً وخطراً كبيرين على سلامة المدنيين».
الحرب تطل بوجهها المشؤوم على العاصمة
ويقر النائب الليبي جاب الله الشيباني بأن «الحرب في العاصمة تطل بوجهها المشؤوم»، محملا «بعثة الأمم المتحدة في ليبيا كامل المسؤولية عن تدهور الوضع الأمني، بسبب صمتها على انتهاكات الجماعات المسلحة، وتغاضيها عن البند الأهم في اتفاق الصخيرات، وهو نزع سلاح الميليشيات وضمان خروجها من العاصمة».
وطالب الشيباني البعثة الأممية بأن «تعيد ترتيب أولوياتها بشكل عاجل، وتركز على إعادة تنفيذ التزاماتها الأساسية، أو أن تفسح المجال لهيئة أو بعثة أخرى برعاية أممية صادقة تتبنى تطبيق هذ البند الهام بمسؤولية وجدية، بعيداً عن الترضيات السياسية والتدخلات المغرضة».
وقال البرلماني الليبي «ما لم تُنفذ الترتيبات الأمنية بشكل عاجل، فإن أي انتخابات أو تسويات سياسية ستكون مجرد وهم يُضاف إلى قائمة الإخفاقات المتكررة».
غياب المشروع السياسي
من زاوية أخرى يلحظ الناشط السياسي محمد فؤاد أن «إشكالية الوضع الأمني في طرابلس واحتمال اندلاع عمليات قتالية هو بسبب عدم وجود أي مشروع سياسي»، وقال «ما يوحد أغلب خصوم الدبيبة باستثناء قلة من الوطنيين هو الرغبة فى الوصول للحكم».
ويضيف «غياب المشروع السياسي والتشكيلة الوزارية الضعيفة بل والكارثية هي مشكلة كبيرة»، موضحاً «لا يوجد فى الحكومة أي وزير له موقف سياسي أو يستطيع الخروج على المواطنين عبر وسائل الإعلام أو له شخصية مقنعة .. بل ولا يوجد حتى وزير للخارجية». وانتهى إلى القول «ولا أدري ماذا ينتظر رئيس الحكومة لتعيين وزراء فاعلين».
وتتنازع السلطة في ليبيا حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» التي تتخذ من طرابلس مقراً، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتسيطر على غرب ليبيا، وحكومة أخرى في بنغازي مكلفة مجلس النواب ويرأسها أسامة حماد وتسيطر على شرق البلاد وبعض مناطق الجنوب.