حذر الباحث السياسي عمر بوسعيدة من تصاعد خطير في الأوضاع الأمنية قد يقود إلى مواجهة عسكرية حاسمة في العاصمة طرابلس، في ظل التحشيدات المسلحة التي تشهدها المدينة هذه الأيام.
وقال بوسعيدة في تصريح تلفزيوني لقناة “ليبيا الحدث” إن “ما يجري ليس مجرد تحركات عسكرية عابرة، بل تصعيد متعمد من قبل حكومة الدبيبة، يسعى من خلاله إلى السيطرة الكاملة على العاصمة، وفرض أمر واقع جديد قبيل أي تسوية سياسية مرتقبة”.
واعتبر أن “انتشار الأسلحة الثقيلة والخفيفة، والتحشيدات المتزايدة في محيط المدينة، تعكس نوايا خطيرة”، مشيرًا إلى أن “هذا التصعيد مدروس ومدعوم من قوى إقليمية فاعلة، منحته ما يشبه الضوء الأخضر للتحرك”.
وأكد بوسعيدة أن “حكومة الدبيبة تهدف إلى كسب أوراق تفاوضية وفرض حضورها السياسي عبر السيطرة على المواقع الحيوية، مثل مطار معيتيقة، والمناطق التي تتمركز بها قوة الردع”.
وأوضح أن “ما يحدث هو محاولة لخلط الأوراق على الساحة الليبية بعد فشل المفاوضات مع قوة الردع الخاصة”. وقال إن “التحركات الأخيرة جاءت امتدادًا لضغوط سابقة لفتح باب التفاوض بشأن تسليم السيطرة على قاعدة معيتيقة أو التوصل إلى تفاهم أمني”.
وشدد بوسعيدة على أن “حالة التصعيد التي تشهدها العاصمة تمثل ردًا مباشرًا على إخفاق تلك المفاوضات”، مشيرًا إلى أن “قوة الردع أظهرت استماتة في الدفاع عن مواقعها، ما جعل احتوائها عبر الحوار غير مثمر”.
ولفت إلى أن “حكومة الدبيبة في سباق مع الزمن للسيطرة على مفاصل العاصمة قبل الدخول في مرحلة سياسية جديدة، لا سيما في ظل مهلة الشهرين التي أشار إليها المبعوثة الأممية مؤخرًا، والتي ربما دفعت الحكومة للتحرك ميدانيًا بسرعة”.
كما انتقد بوسعيدة ما وصفه بـ “الضوء الأخضر المبطن” الذي تلقته حكومة الدبيبة من المجتمع الدولي، معتبرًا أن “الموقف الأممي لم يكن حاسمًا بما يكفي، ما شجع الحكومة على المضي قدمًا في مشروعها”.
وعبّر عن “قلقه من أن يؤدي استمرار هذا النهج إلى حرب شاملة، خصوصًا في ظل التمترس الحاصل من قبل الجماعات المسلحة، والتعاطف الشعبي المتزايد مع الأطراف المتصارعة”.
وأضاف أن “حكومة الدبيبة لا تسعى فقط لإثبات وجودها السياسي، بل تحاول فرض سيطرة أمنية تخدم موقفها في أي عملية تفاوض قادمة”.
وحذر من أن “هذا التوجه قد يجر البلاد إلى جولة جديدة من الفوضى في ظل غياب التوافق الوطني”. معتبرًا أن “هذه التحركات تأتي ضمن استراتيجية لعزل الولايات المتحدة عن الملف الأمني، خاصة بعد أن رافقتها تصريحات اقتصادية ودبلوماسية موجهة”.
ووصف بوسعيدة حكومة الدبيبة بأنها تحولت إلى “مافيا سياسية” تسعى للبقاء في السلطة بكل الوسائل، حتى ولو على حساب دماء الليبيين، مشيرًا إلى أن “قراراتها الأخيرة تدل على استبدال المسار السياسي بمسار عسكري خطير”.
واعتبر أنها “حطمت كل الأرقام القياسية في الفساد، وأجهضت مؤسسات الدولة، ونشرت التشظي والانقسام”، مضيفًا أن “التحركات العسكرية الأخيرة ستقود إلى مواجهة مفتوحة مع القوات المتمركزة في العاصمة، التي ستدافع عن مناطقها بكل قوة”.
وأشار إلى أن “الصراع المرتقب قد لا يكون محدودًا زمنيًا مثل الحروب السابقة، بل قد يتحول إلى صراع مفتوح بدعم من جهات خارجية لا تتمنى الخير لليبيا، وتسعى لتفتيت النسيج الوطني”.
وأكد أن “ما يحدث هو إثبات قوة وتعنت سياسي لخدمة مصالح ضيقة هدفها الوحيد بقاء فئة معينة في الحكم”، محذرًا من أن “ذلك سيدفع البلاد إلى مزيد من الدماء والخراب”.
وسلط بوسعيدة الضوء على ما وصفه بـ “التضارب الخطير” في التصريحات عقب تسريبات اجتماع قاعدة معيتيقة، والذي زُعم أنه “ناقش تفاهمات مع قيادات أمنية، بينما نفت قوة الردع وجود أي مفاوضات”. ورأى أن هذا التضارب “لا يعكس فقط سوء تنسيق، بل ربما يدل على صراع مكتوم بين مراكز القوة في طرابلس”.
وأوضح أن “هناك ضخًا إعلاميًا مكثفًا من ماكينة إعلام الدبيبة، هدفه إظهار قوة الردع كمجموعة مفككة، والترويج لإشاعات عن انشقاقات ومزاعم باتفاقات جزئية، وهو ما نفته قوة الردع رسميًا”.
وأكد أنها “لا تزال في مواقعها في حالة طوارئ واستعداد دائم”، مشيرًا إلى أن “هذا البيان يمثل رسالة رفض لأي ضغوط سياسية، وجاهزية كاملة للمواجهة المحتملة”.
وبيّن أن “مناطق مثل تاجوراء تشهد انقسامًا في الولاءات، حيث تدعم بعض القوى حكومة الدبيبة، بينما تساند أخرى قوة الردع، مما يعزز احتمالية توسع رقعة الاشتباكات لتشمل أطراف العاصمة”. مؤكداً أن “قوة الردع بدأت لأول مرة في استعراض علني لقوتها، في إشارة إلى استعداد فعلي وجاد لعدم الانسحاب أو التراجع”.
وأكد بوسعيدة أن “المؤشرات الحالية تدل على أننا أمام مرحلة ما قبل الانفجار، إذ أن المعادلة الأمنية في العاصمة باتت رهينة لتحركات الساعات والأيام القادمة”.
وأشار إلى أن “التحشيدات بدأت منذ الخميس الماضي، بينما تأخر بيان الاتحاد الأوروبي حتى الليلة الماضية، ما يعكس عجزًا دوليًا في الاستجابة لحجم التصعيد”.
واعتبر أن “حكومة الدبيبة تسعى لتنفيذ عملية سريعة تستهدف فرض السيطرة على مواقع سيادية مثل قاعدة معيتيقة”، محذرًا من أن “فشل العملية قد يؤدي إلى انهيار سياسي وعسكري واجتماعي للحكومة، في ظل الرفض الشعبي المتزايد داخل العاصمة”.
وأكد أن “منطقة الاشتباكات تضم مرافق حيوية مثل المصرف المركزي، ومطار طرابلس، والميناء، والمقار السيادية، وأن أي تصعيد في تلك المواقع قد يدخل البلاد في فوضى شاملة ويعطل الحياة العامة”.
وشدد على أن “الملف الليبي لم يعد يُدار من الداخل فقط، بل أصبح رهينة لصراعات إقليمية ودولية، حيث يمكن أن تفتح هذه التحركات الباب لتدخلات خارجية أوسع، في ظل تصاعد دور الولايات المتحدة وروسيا في المشهد”.
وأعرب عمر بوسعيدة عن أسفه لما آلت إليه الأوضاع، “داعيًا العقلاء إلى الوقوف ضد الجنون السياسي”، محذرًا من أن “استمرار هذا النهج سيؤدي إلى مآسي أكبر من أي أزمة سابقة مرت بها البلاد”.
وفي سياق آخر، أكد بوسعيدة أن “النشاط الدبلوماسي المكثف مؤخرًا بين طرفي الأزمة الليبية ومسؤولين من تركيا وفرنسا ومصر يعكس تحركات إيجابية تسعى إلى استقرار نسبي”.
وأوضح أن “القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية فرضت واقعًا جديدًا على الأرض، ونجحت في تأكيد نفسها كشريك أساسي في المشهد السياسي، مما دفع الدول الفاعلة إلى التعامل معها بنديّة لضمان مصالحها”.
واعتبر بوسعيدة في ختام تصريحاته، أن “هذا الواقع الجديد فرض تعاملًا براغماتيًا من المجتمع الدولي، وأن قدرة القيادة العامة على تحقيق استقرار تام في مناطقها، إضافة إلى توازنها في العلاقات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، يعزز مكانتها ودورها في المستقبل السياسي للبلاد”.