أكد أستاذ الاقتصاد في جامعة بنغازي، عطية الفيتوري، أن قرار سحب العملة من فئتي العشرين والخمسة دنانير، لا يعكس توجهًا استراتيجيًا لإعادة هيكلة الكتلة النقدية، بل هو مجرد إجراء إداري افتقر إلى التخطيط السليم، وأدى إلى ارتباك واسع داخل السوق الليبي، في ظل غياب البدائل الكافية من العملة الجديدة.
وقال الفيتوري، في حديثه لقناة «ليبيا الحدث»: “المصارف التجارية اضطرت في بعض الحالات إلى إعادة تداول العملة الملغاة، ما يعكس حجم الإرباك الذي سببه القرار، وهذا الإجراء، رغم ما قد يحمله من مزايا إدارية محدودة، إلا أنه تسبب في أضرار اقتصادية واضحة، أبرزها تفاقم فقدان الثقة في الدينار الليبي وفي أداء المصرف المركزي، وكثير من المواطنين باتوا يسعون لتحويل مدخراتهم إلى العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار، تحسبًا لمزيد من التراجع في قيمة العملة المحلية”.
وأضاف “سحب العملة تم بطريقة غير مدروسة ودون خطة تدريجية واضحة أو طمأنة حقيقية للمواطنين على توفر السيولة، وهو ما فاقم الأزمة النقدية، وهناك عدم شفافية من المصرف المركزي، كما أن تخفيض قيمة الدينار بنسبة 13.3% في أبريل الماضي تم دون إعلان رسمي، ما زاد من الشكوك لدى المواطنين والمستثمرين على حد سواء، والخطوة المثلى لسحب العملة تكمن في وقف تداول الفئات القديمة تدريجيًا من خلال إشعار المصارف بذلك، واستبدالها عبر الدورة المصرفية دون تحديد موعد نهائي صارم، كما هو معمول به في معظم دول العالم”.
وتابع “أحذر من تداعيات السياسات النقدية العشوائية، والتي تسببت في فقدان الثقة بقيمة الدينار، خاصة لدى كبار المودعين الذين يمتلكون مئات الآلاف أو ملايين الدنانير، ويلجؤون إلى تحويلها إلى الدولار أو اليورو في السوق الموازية، ما يشكل مضاربة على العملة المحلية، مؤكدا أن هذا السلوك أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات والمعادن الثمينة، مثل الذهب، ما جعل من الصعب على الشباب توفير احتياجات الزواج أو امتلاك سكن، وأدعو المركزي إلى مراجعة سياساته لتعزيز الثقة بالدينار واستقرار سعر الصرف”.
واستطرد “نتائج القرارات الأخيرة للمركزي لن تظهر قبل ثلاثة إلى أربعة أشهر، وأرجح أن تتضح الصورة بشكل أفضل مع نهاية عام 2025، مع بدء طرح العملة الجديدة من فئات العشرة والعشرين دينارًا بعد نهاية سبتمبر الجاري، وفقدان الثقة في الدينار لا يزال قائمًا، سواء لدى رجال الأعمال أو المواطنين، كما أن السياسات الحالية تعكس غياب رؤية واضحة لدى المصرف المركزي، ما يؤدي إلى زيادات متكررة في أسعار السلع، خاصة الأدوية والمواد الغذائية، بسبب عدم الاستقرار النقدي”.
وانتقد بعض الإجراءات الأخيرة، مثل آلية عمل مكاتب الصرافة ومنح نسبة 7%، واصفًا إياها بغير المدروسة، وأنها ليست السياسات الصحيحة من واقع خبرته كعضو سابق في لجنة السياسة النقدية، قائلا: “المركزي يتغول بشكل غير المسبوق على اختصاصات وزارة المالية، خصوصًا فيما يتعلق بصرف المرتبات وإطلاق خدمات مالية مثل راتبك لحظي، وهذه مسؤولية تقع قانونًا على عاتق وزارة المالية، وليس على المصرف، فقانون المصارف ونقد الائتمان لعام 1993 كان ينص على أن وزير المالية هو رئيس مجلس إدارة المصرف المركزي، ما يعني أن القرارات المالية الكبرى يجب أن تصدر عنه، وليس عن المحافظ منفردًا”.
وشدد على ضرورة تفعيل أدوات السياسة النقدية المعطلة، وعلى رأسها سعر الفائدة، وسوق الأوراق المالية والاحتياطي الإلزامي، مضيفا “يجب وضع نظامين واضحين للقطاع المصرفي، تقليدي وإسلامي، كما هو معمول به في بعض الدول العربية، مثل السعودية ومصر”.