قال الكاتب والباحث السياسي محمد محفوظ إن العاصمة طرابلس تشهد حالة استنفار أمني غير مسبوقة وتحشيدًا عسكريًا مكثفًا، ما ينذر باندلاع اشتباكات مسلحة في أي لحظة، خاصة في المناطق السكنية المكتظة.
وأوضح محفوظ، في تصريح لقناة سكاي نيوز عربية، أن المفاوضات بين الحكومة وجهاز الردع تناولت شروطًا تتعلق بتسليم مطار معيتيقة إلى وزارة المواصلات، وتسليم السجناء، والسيطرة على المنطقة الخضراء، إلا أن هذه الاتفاقات لم تُنفذ، ما يعزز احتمالية اندلاع المواجهات المسلحة. وحذر من أن فشل تنفيذ التفاهمات قد يدفع العاصمة إلى دوامة جديدة من العنف، مع مخاوف متزايدة على حياة المدنيين.
وأشار محفوظ إلى أن جذور الأزمة تعود إلى اغتيال قائد جهاز دعم الاستقرار غنيوه الككلي في مايو الماضي، وهي الحادثة التي تبعتها سلسلة من العمليات العسكرية بين جهاز الردع والقوات التابعة لحكومة الوحدة، ما أدى إلى تصاعد المواجهات دون حسم.
وأكد أن الوضع يتطلب تدخلات عاجلة من الأطراف الوطنية والدولية لوقف التصعيد وفتح قنوات حوار تهدف إلى حماية المدنيين وضمان الاستقرار. كما لفت إلى تحذيرات دولية بشأن المخاطر الإنسانية، حيث أشارت تقارير منظمات حقوقية إلى أن أي مواجهات واسعة داخل المناطق المدنية ستؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة.
وبيّن محفوظ أن قوة جهاز الردع تأتي من موقعه الاستراتيجي في قاعدة معيتيقة الجوية، التي تضم مستشفى عسكريًا ومطارًا مدنيًا هو الوحيد في العاصمة بعد تدمير المطار الدولي، إضافة إلى سجن ومقرات عسكرية مهمة مثل رئاسة أركان القوات الجوية. وقال إن هذه المواقع عززت نفوذ الجهاز أمنيًا وسياسيًا، وسط اعتقاد بوجود دعم خارجي له، خصوصًا من تركيا.
وكشف محفوظ عن تفاصيل اشتباكات مايو الماضي التي شهدت محاولة استهداف مقرات جهاز الردع بطائرات مسيرة انطلقت من مصراتة، لكنها أُسقطت قرب مدينة الخمس بتدخل القوات التركية في قاعدة معيتيقة، مشيرًا إلى استمرار دعم أنقرة للجهاز ورفضها استخدام الطيران المسير ضده.
وأضاف أن الطيران المسير يمثل عنصرًا مهمًا في تغيير موازين القوى في المعارك، لكن تركيا ترفض استخدامه ضد جهاز الردع رغم تصريحات مسؤولين ليبيين بشأن تقليص التشكيلات المسلحة.
وعلى الصعيد الدولي، قال محفوظ إن هناك توجهًا لتوحيد الميليشيات المسلحة تحت كيان واحد تكون فيه الحكومة الحالية برئاسة عبد الحميد الدبيبة السلطة المركزية المسؤولة عن الأمن والدفاع، مضيفًا أن الحكومة المقبلة يجب أن تمتلك القدرة الكاملة على إدارة المجموعات المسلحة وليس فقط خوض نزاعات عسكرية معها.
وأوضح أن الحل يكمن في بناء جيش وطني في الغرب قادر على التعامل مع الأسلحة الثقيلة لدى الميليشيات، إلى جانب تعزيز قدرات الشرطة لضمان الأمن الداخلي، مشددًا على ضرورة تحقيق توافق وطني بين القوى العسكرية والسياسية في شرق ليبيا وجنوبها.
وأشار محفوظ إلى أن نجاح أي خطة يرتبط بأولويات القيادة السياسية، متسائلًا عما إذا كان الهدف هو البقاء في الحكم فقط أم تنفيذ برنامج متكامل يشمل دمج وتأهيل وتفكيك وتدريب القوات المسلحة والشرطة. واستشهد بخطة وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا التي سعت إلى إعادة ترتيب الوزارة وتقوية الشرطة رغم الانقسام السياسي.
وأكد أن استمرار سيطرة التشكيلات المسلحة خارج مؤسسات الدولة يمثل عائقًا أمام الاستقرار، وأن الحل يتمثل في دمجها بدعم دولي واضح. واعتبر أن التشكيلات التي تدعم “الرجل القوي” في المشهد السياسي تمثل مصدر قوته، وأن الانقلاب عليها يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية ما لم يكن الأمر بتكليف دولي.
وأضاف محفوظ أن الحل لا يمكن أن يكون عسكريًا فقط، بل يجب أن يجمع بين السياسة والأمن والمجتمع للوصول إلى تسويات متوازنة ومستدامة.
واختتم محفوظ بالقول إن الحكومة المقبلة يجب أن تمتلك الإمكانات والبرامج التي تمكّنها من توحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا، معتبرًا أن ذلك هو السبيل لإنهاء الانقسام والفوضى القائمة.