تشهد طرابلس حالة من التوتر المتصاعد، على وقع تحشيدات متزايدة للفصائل المسلحة، في وقت تحاول فيه بعثة الأمم المتحدة رسم خارطة طريق جديدة تقود إلى تشكيل حكومة موحدة. غير أن سباق النفوذ بين الميليشيات والولاءات الآيديولوجية المختلفة بات يشكل عقبة رئيسية أمام أي تسوية سياسية.
تتموضع القوى المسيطرة على الأرض في مشهد متداخل؛ حيث تبسط فصائل تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية في حكومة الدبيبة نفوذها على أجزاء من غرب وجنوب طرابلس، بينما يسيطر جهاز «الردع الخاصة» بقيادة عبد الرؤوف كارة على مناطق في شرقها. أما منطقة التماس فتشهد حضوراً كثيفاً لكتائب قادمة من مصراتة، أبرز معاقل الدعم العسكري للدبيبة.
الصراع لم يعد مجرد تنافس عسكري
الصراع لم يعد مجرد تنافس عسكري، بل اتخذ أبعاداً آيديولوجية واضحة؛ إذ يتحالف الدبيبة مع المفتي المعزول الصادق الغرياني، المحسوب على تيار الإسلام السياسي، فيما يتبنى جهاز «الردع» الفكر السلفي المدخلي الذي يناصب العداء لهذه التيارات. وقد انعكس هذا التباين الفكري في اشتباكات سابقة، كما تجلى في الحملات الإعلامية المتبادلة بين الطرفين، خصوصاً حول ملف السجناء في سجن معيتيقة الخاضع لسيطرة «الردع».
وفي المقابل، تبرز ميليشيات أخرى كعناصر فاعلة في شبكة النفوذ داخل طرابلس فـ«اللواء 444» بقيادة محمود حمزة، و«اللواء 111» بقيادة عبد السلام الزوبي، يضمّان مقاتلين من خلفيات مختلفة، بينهم عناصر سابقة من مجالس الشورى التي قاتلت في بنغازي ودرنة.
أما ميليشيا «الأمن العام» بقيادة عبد الله الطرابلسي، فهي تتحرك ضمن ما يوصف بـ«تحالفات نفعية» مرتبطة بمراكز قوة عائلية وسياسية. في حين أن كتيبة «رحبة الدروع» بقيادة بشير خلف الله (البقرة)، التي كانت على خلاف مع «الردع»، تبدو اليوم أقرب إلى الاصطفاف معه تحت وطأة المخاوف من تمدد نفوذ حكومة الدبيبة.
المعركة الأهم تدور حول السيطرة على المرافق السيادية
المعركة الأهم تدور حول السيطرة على المرافق السيادية، وفي مقدمتها مطار وسجن معيتيقة، إضافة إلى المؤسسات الاقتصادية كالمصرف المركزي والشركات العامة. فالدبيبة يسعى لتوسيع سلطته على هذه المرافق تحت شعار «فرض هيبة الدولة»، بينما تعتبرها الميليشيات أوردة حيوية لاقتصاد الحرب الذي يغذي شبكاتها عبر التهريب والتحكم في الدعم وتوزيع السلع.
ومع استمرار تدفق التعزيزات العسكرية من مدن الغرب الليبي، خصوصاً مصراتة التي يُقدر عدد مقاتليها الموالين للدبيبة بأكثر من 17 ألف عنصر، يزداد القلق من انزلاق طرابلس إلى مواجهة شاملة. وقد برزت من بين هذه القوات «قوة العمليات المشتركة» بقيادة عمر بوغد، لتكون أحد أبرز أوراق الضغط في يد الدبيبة.
كل هذه التطورات تضع خارطة الطريق الأممية أمام تحديات جسيمة؛ فغياب سلطة مركزية قادرة على ضبط السلاح، واستمرار صراع الولاءات والاقتصاد الموازي، يعرقلان أي مسار لتشكيل حكومة جديدة أو التوجه نحو انتخابات. وهكذا تبقى طرابلس على صفيح ساخن، بين طموحات الأمم المتحدة في تسوية سياسية، وواقع التحشيد الذي يغذيه الدبيبة وينذر بمواجهة قد تطيح بكل فرص الحل.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا