ليبيا الان

إطلاق سراح وزير النفط السابق بعد اعتقال مثير للجدل

مصدر الخبر / قناة ليبيا 24

ليبيا 24

ليبيا على مفترق طرق: اعتقال وزير النفط السابق يلهب مشهد الانقسام السياسي والاتهامات بالفساد

في حدث ألقى بظلاله الثقيلة على المشهد السياسي المتوتر أصلاً في ليبيا، شهدت العاصمة طرابلس يوم السبت اعتقال وزير النفط والغاز السابق في حكومة الوحدة الوطنية، محمد عون، في مطار معيتيقة الدولي، أثناء محاولته السفر خارج البلاد. وقد تحول الاعتقال، الذي استمر لفترة وجيزة قبل الإفراج عنه، إلى قضية رأي عام، مما فتح باب النقاش مجدداً حول سيادة القانون، واستقلالية القضاء، ووحشية المعارك السياسية الخفية التي تستخدم فيها مؤسسات الدولة كأدوات للتصفية. وانقسمت الآراء داخل مؤسسات الدولة ذاتها، حيث انبرى نواب وأعضاء في مجلس الدولة للتعبير عن مواقف متعارضة بشدة، مما عمق من أزمة الشرعية والثقة.

تفاصيل الاعتقال والإفراج: بين القضاء والسياسة

وفقاً لبيان صادر عن مكتب النائب العام مساء يوم الحادثة، جاء توقيف عون “لغرض تنفيذ حكم غيابي” صدر ضده، يقضي بسجنه مدة أربع سنوات. وتركزت التهم المنسوبة إليه حول “إساءة استعمال السلطة الوظيفية وإهمال واجب حفظ وصيانة المال العام”، وتحديداً خلال عام 2006، عندما كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة الزويتينة للنفط، أي قبل توليه حقيبة الوزارة بسنوات عديدة.

غير أن البيان الرسمي نفسه أضاف مفاجأة أخرى، حيث أوضح أنه “تقّرر الإفراج عنه، بعد أن تبيّن أنّ المقبوض عليه سبق وأن امتثل أمام محكمة استئناف طرابلس”. وأشار البيان إلى أن المحكمة قد حجزت القضية وحددت جلسة جديدة للنظر فيها يوم الثلاثاء المقبل، مما يعني سقوط الحكم الغيابي وإعادة الدعوى إلى مسارها القضائي الطبيعي. هذا التفسير القضائي، رغم وضوحه، لم يُقنع الكثيرين داخل البرلمان ومجلس الدولة الذين رأوا في توقيت وطريقة الاعتقال رسالة سياسية أكثر منها إجراءً قانونياً روتينياً.

البرلمان المنقسم: صوت للنقد وآخر للتأييد

المعارضون للاعتقال: صفعة للديمقراطية وتكميم للأفواه انقسم مجلس النواب بشكل حاد في تقييمه للحادثة. حيث هاجم عدد من الأعضاء الاعتقال ووصفوه بأنه عمل سياسي بحت. وذهب النائب جاب الله الشيباني إلى أبعد من ذلك، فوصف الاعتقال بأنه “إعلان رسمي عن تكميم الأفواه لمنع صوت الحق”، في إشارة واضحة إلى أن الغرض منه هو إسكات الأصوات المعارضة داخل مؤسسات الدولة نفسها، خاصة تلك التي تتناول قضايا الفساد الحساسة.

بدوره، ربط النائب ميلود الأسود الاعتقال بموقف عون المعارض لسياسات الحكومة في قطاع الطاقة، قائلاً: “تم اعتقال وزير النفط السابق محمد عون لرفضه للصفقات السياسية على حساب الموارد وأصوات الحق الرافضة للتفريط في قوت الليبيين وتوريط البلاد في عقود غير عادلة طويلة الآجل لا يُراد لها أن ترتفع.” وهذا التصريح يضع الحادثة في إطار الصراع على ثروات البلاد والسيطرة على قطاع النفط، وهو ما يعتبر خطاً أحمر بالنسبة للكثيرين.

مجلس الدولة: تشكيك في الدوافع واستنطاق للخلفيات

انضم إلى ساحة النقد أعضاء في مجلس الدولة، حيث طرح عضو المجلس سعد بن شرادة سؤالاً استنكارياً يكشف عن شكوك عميقة في دوافع الاعتقال، متسائلاً: “هل تم استهداف الوزير محمد عون لمواقفه طيلة الفترة السابقة أم للاستفادة من خبرتة وشهادتة حول قضايا الفساد في قطاع النفط وآخرها قضية الشركة الوهمية؟”

سؤال بن شرادة لم يكن استفهاماً فقط، بل كان اتهاماً غير مباشر بوجود دوافع مزدوجة: الأول هو معاقبة عون على مواقفه السياسية السابقة، والثاني هو تحييده ومنعه من الإدلاء بشهادته أو تقديم معلومات قد يكون على علم بها حول قضايا فساد كبرى، مثل القضية التي أشار إليها وهي “الشركة الوهمية”، مما يضفي طابعاً من الإلحاح والخطورة على القضية.

الصمت عن “أرباب الفساد” واستهداف المكافحين: رأي المؤسسات الحقوقية أحد أبرز المحاور التي ركز عليها المنتقدون هو “الانتقائية” الواضحة في تطبيق القانون. تساءل الصحفي والناشط السياسي أحمد السنوسي على صفحته على “فيسبوك”: “لماذا يتم استهداف عون في قضية تعود إلى 17 عاماً، بينما يتم التغاضي عن قضايا فساد ضخمة وحديثة في نفس القطاع، وتحديداً تلك المتعلقة باتفاقيات مشبوهة مع شركات عالمية؟”

هذا التساؤل انسجم مع بيان للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، التي ندد رئيسها أحمد حمزة بـ”ملاحقة وتوقيف من يسعى إلى مكافحة الفساد في قطاع النفط والغاز، وتصدى لكل التجاوزات، مقابل غض النظر والطرف عن ما أسماهم ‘أرباب الفساد’”. وأعرب البيان عن استغرابه لـ”عدم التحقيق في كل قضايا الفساد التي ذكرت في تقرير ديوان المحاسبة”، مما يعزز الشعور العام بعدم وجود إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد على أعلى المستويات، وهو الشعور الذي عبر عنه النواب والمستشارون بشكل صريح.

الوزير المعارض: خلفية الخلافات المالية والسياسية مع الدبيبة

لم يكن عون مجرد وزير سابق، بل كان أحد أبرز الوجوه المعارضة للدبيبة داخل مؤسسات الدولة نفسها. وقد اتهمه علناً في أكثر من مناسبة بـ”توقيع اتفاقيات من شأنها أن تؤدي إلى إهدار ثروات الليبيين”، في إشارة إلى اتفاقيات وقعت مع تركيا وإيطاليا. كما انتقد تشكيله “المجلس الأعلى لشؤون الطاقة”، معتبراً إياه تجاوزاً للصلاحيات وسلباً لاختصاصات وزارة النفط.

ويزيد من حساسية موقعه تأييده العلني للمظاهرات الشعبية التي اندلعت في طرابلس في منتصف مايو الماضي، والتي طالبت بمحاسبة الفاسدين وتحسين الخدمات وإجراء الانتخابات. كل هذه العوامل جعلت من عون رمزاً للمعارضة داخل النظام، ووضعته في مسار تصادمي مباشر مع رئيس الحكومة، وهو ما يفسر من وجهة نظر النقاد سبب استهدافه الآن.

القطاع النفطي: محاولة للتوسط والتأكيد على سيادة القانون

من جهته، حاول رئيس النقابة العامة للنفط، سالم الرميح، تهدئة الأجواء والتأكيد على سير الإجراءات القانونية. وأكد في تصريحات صحفية أن “عون رجل وطني ونزيه وأوضاعه جيدة وكلنا تحت القانون الذي يجب أن يُطبق على الجميع دون تمييز”. وشدد على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، في محاولة لاستعادة الثقة في العملية القضائية ونزع الطابع السياسي عن الحادثة، وهو موقف وسطي في خضم سيل الاتهامات الحاد.

انعكاسات على الاستقرار ومستقبل الحكم تشير هذه الحادثة والانقسام الحاد في آراء ممثلي الشعب إلى عمق الأزمة السياسية والمؤسسية في ليبيا. فاستخدام الأحكام القضائية، خاصة الغيابية منها، في توقيتات حساسة، يضعف ثقة المواطن في دولة القانون ويغذي نظرية المؤامرة. كما أن استمرار الصراع داخل أروقة حكومة الوحدة الوطنية نفسها، والانقسام داخل البرلمان، يهدد ما تبقى من استقرار هش ويفشل أي محاولة جادة للم الشمل وتوحيد المؤسسات.

الخوف الأكبر هو تحول قطاع النفط، الشريان الحيوي للاقتصاد الليبي والمالك لأكبر احتياطيات في إفريقيا، إلى ساحة جديدة للصراع بين الأجنحة السياسية المتعارضة. فاتهامات الفساد والصفقات المشبوهة، إذا لم تحل بشفافية ونزاهة، قد تؤدي إلى تشويه سمعة القطاع وتهديد استثمارات الشركات الدولية، مما يعمق الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلاد.

خلاصة: قضية قانونية أم فخ سياسي؟ تبقى قضية اعتقال محمد عون والإفراج السريع عنه لغزاً يحمل أكثر من تفسير. بينما تقدم السلطات القضائية تفسيراً قانونياً بحتاً يركز على سقوط الحكم الغيابي، فإن آراء النواب البارزين وأعضاء مجلس الدولة قد كشفت النقاب عن شكوك عميقة واتهامات بالتصفية السياسية. يرى هؤلاء أن العملية برمتها كانت “مسرحية” بهدف إرسال رسالة ترهيبية إلى المعارضين واختبار ردود الفعل الشعبية والدولية.

في النهاية، تكرس هذه الواقعة والانقسام العلني حولها الشرخ العميق الذي تعيشه ليبيا، حيث تذوب الحدود بين القانون والسياسة، ويصبح القضاء أحياناً أداة في الصراع على النفوذ والسلطة. والاختبار الحقيقي سيكون في جلسة الثلاثاء القادم ومستقبل القضية: هل ستنتهي ببراءة تثبت زعم الانتقائية؟ أم بإدانة تؤجج المشهد وتؤكد أن الاعتقال كان مجرد مقدمة لفصل جديد من فصول التصفية السياسية في ليبيا المنقسمة؟ آراء النواب والمستشارين قد رسمت بالفعل خطوط المعركة القادمة.

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

قناة ليبيا 24