العنوان
في الفضاء الرقمي، الذي أصبح ساحة جديدة للصراع الليبي، تبرز ظاهرة مُقلقة بشكل متزايد: حملات منظمة من ردود الفعل السلبية على منصة فيسبوك.
وفي تقرير نشره موقع “ليبيا أبديت” الناطق بالإنجليزية، فإن هذه الحملات تستهدف بشكل ممنهج المنشورات التي تُبرز إنجازات وأحداثًا مهمة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الليبية المُعينة من قِبَل مجلس النواب.
آلاف ردود الفعل السلبية، الصادرة عن حسابات وهمية في دول آسيوية بعيدة كل البعد عن الشأن الليبي، مثل تايلاند وفيتنام، تُثير تساؤلات جدية حول من يقف وراءها وأهدافها.
نمط متكرر… وأهداف مُحددة
يقول الموقع إن هذه الهجمات ليست عشوائية؛ بل تتبع نمطًا واضحًا ومُدروسًا. فبمجرد نشر أي محتوى إيجابي يتعلق بمشاريع التنمية أو الأحداث الكبرى في شرق البلاد وجنوبها، تُغمره آلاف ردود الفعل السلبية في غضون ساعات.
ووفقًا للمحللين، فإن الهدف ليس مجرد التعبير عن المعارضة، بل تشويه الصورة العامة وخلق انطباع زائف برفض شعبي واسع النطاق لهذه الإنجازات – وهو زيف يكشفه الأصل الجغرافي لهذه الحسابات.
كان آخر ضحايا هذه الحرب الإلكترونية “المؤتمر العربي السنوي الأول للإعلام”، الذي استضافته مدينة بنغازي مؤخرًا. وتعرضت المنشورات حول هذا الحدث، الذي جمع شخصيات إعلامية بارزة من مختلف أنحاء العالم العربي، لحملة انتقادات شرسة في محاولة واضحة للتقليل من أهميته، أو التلميح بفشله، أو إعطاء انطباع سلبي عن المدينة المضيفة للحضور.
يؤدي تتبع خيوط هذه الحملات إلى حوادث سابقة استهدفت جهات حيوية، أبرزها الهيئة الوطنية للتنمية. هذه الهيئة الحكومية، التي تقف وراء مشاريع استراتيجية طموحة تهدف إلى إنعاش الاقتصاد المحلي وتحسين البنية التحتية، كانت هدفًا متكررًا. طالت حملات التشهير منشورات تتعلق بمشروع المنطقة الحرة في سرت، وطريق سرت-سبها الحيوي الذي يربط سرت بجنوب ليبيا وصولًا إلى الداخل الأفريقي، بالإضافة إلى مشاريع إعادة تأهيل مطار سبها الدولي وملعب أجدابيا الدولي.
ولعل أبرز حادثة كشفت عن حجم الاستهداف المنظم حدثت أثناء زيارة السفير الأمريكي لمقر الهيئة الوطنية للتنمية في سرت. لوحظ نفس نمط الهجوم الإلكتروني على المنشورات التي تغطي الزيارة، مما يوحي بوجود غرفة عمليات تراقب هذه الحسابات الوهمية وتوجهها لضرب أي محتوى يُوحي بالشرعية أو النجاح أو الدعم الدولي للمؤسسات في شرق ليبيا.
من وراء الكواليس؟
تشير الاتهامات، وإن كانت غير رسمية، إلى منصات إعلامية تابعة أو موالية لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة. ويرى مراقبون أن هذا التكتيك يعكس عجزًا عن مواجهة الإنجازات على الأرض، واللجوء إلى “جيوش إلكترونية” لتزييف الوعي العام وإظهار صورة سلبية عن منافسهم السياسي.
ومما يُعزز هذه الشكوك ما كشفته إحدى الصفحات التي تعرضت لهذه الهجمات. فعندما تم حظر الصفحة وتواصل مسؤولوها مع فريق الدعم الفني في فيسبوك، أفاد الأخير أن الحظر جاء بناءً على شكاوى مقدمة من “جهات إعلامية مرموقة ومؤسسات حكومية”، دون الكشف عن هوياتها.
يتماشى هذا الإجراء مع شهادات صحفيين وشخصيات سياسية معارضة لحكومة الدبيبة، أكدوا فيها تعرض صفحاتهم الشخصية والرسمية لحملات تضليل إعلامي منظمة، أدت إلى تقييدها أو حذفها. ووفقًا لمصادرهم، فإن هذه التقارير تأتي مباشرةً من جهاز الأمن الداخلي ومؤسسات حكومية أخرى تابعة لحكومة الوحدة الوطنية.
لا يقتصر تأثير هذه الحملات على مجرد إغراق المنشورات بردود فعل سلبية، بل يُشكل تهديدًا حقيقيًا لمصداقية المعلومات، ويُسهم في تعميق الانقسام المجتمعي. قد يقع المواطن العادي ضحية لهذا التضليل الإعلامي، معتقدًا وجود استياء شعبي حقيقي، مما يؤثر بدوره على ثقته بالمؤسسات الوطنية، ويعزز الاستقطاب السياسي.
في الوقت الذي تسعى فيه ليبيا جاهدةً لتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار، تُذكرنا هذه الحرب الخفية في العالم الافتراضي بأن الصراع لم ينتهِ بعد، بل إنه يتخذ أشكالًا جديدة وأكثر تعقيدًا، تستهدف العقول قبل الأرض.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا