اعتبر الدكتور عثمان البدري، أستاذ تاريخ العلاقات الدولية، أن الصراع الحاصل في العاصمة طرابلس بين جهاز الردع والقوات المساندة لحكومة عبد الحميد الدبيبة كان صراعًا عبثيًا، وكاد أن يدخل العاصمة في أتون حرب يكون الخاسر الأول والأخير فيها هم سكان العاصمة وليبيا بشكل عام.
وأوضح البدري، في تصريح لقناة “ليبيا الحدث”، رصدته “الساعة 24″، أن الاتفاق الأخير لنزع فتيل الحرب يدعم موقف الدبيبة أمام المجتمع الدولي، ويعزز قدرته على السيطرة على مواقع استراتيجية مثل مطار معيتيقة والميناء والسجن، على الرغم من أن بنود الاتفاق ما زالت غامضة ولم يُطلع عليها أحد بشكل كامل.
ورأى البدري أن التدخل التركي كان عاملاً حاسماً في التوصل إلى الاتفاق، معتبرًا تركيا الراعي والضامن له، مؤكداً أن نجاح الاتفاق يعكس النفوذ الكبير للقوى الخارجية في المشهد الليبي.
واستطرد بأن تنفيذ الشروط بالكامل سيكون صعباً، بسبب تعقيد المشهد الأمني والعسكري، وانتشار الأسلحة والمجموعات المسلحة في طرابلس وما حولها، موضحًا أن الاتفاق، رغم أهميته، يظل هشاً وقد لا يصمد طويلاً.
وأضاف أن الدبيبة يسعى لتنفيذ البنود تدريجيًا، لكسب المواقع الاستراتيجية وتحسين موقفه في المفاوضات السياسية المستقبلية.
كما أشار البدري إلى أن الدبيبة يحاول فرض سيطرته على العاصمة لأسباب سياسية وعسكرية، مشددًا على أن المجموعات المسلحة لا تتعايش معه على طول الخط، وأن الصدام معها أمر وارد، سواء عن طريق المواجهة المسلحة أو بطرق أخرى كما حدث مع جهاز الردع.
ولفت إلى أن القضاء على جميع التشكيلات المسلحة في الغرب الليبي، وخاصة في مدن مثل مصراتة والزنتان والزاوية، أمر بالغ الصعوبة ويتطلب جيشًا منظمًا وقوة أكبر، وهو ما لا يمتلكه الدبيبة، مضيفًا بأنه يعتمد على بعض المجموعات المساندة له في طرابلس لتكون ملاذًا يحميه ويعزز موقفه.
وتابع البدري بأن الدبيبة يستخدم المناورات العسكرية والمكاسب السياسية، مستفيدًا من الشرعية الدولية، لمحاولة تعزيز موقفه أمام المجتمع الدولي وقطع الطريق أمام أي حكومة جديدة قد تحاول تقليص نفوذه.
وأكد أن رئيس الحكومة المؤقتة، مستعد لتقديم تنازلات كبيرة للبقاء في السلطة، مشيرًا إلى أن حلحلة الأزمة الليبية الكاملة ليست واردة حاليًا لدى الأطراف الداخلية أو الخارجية، وأن استمرار الانقسام السياسي والفوضى المالية والفساد يمنح الأطراف الخارجية فرصًا للحفاظ على مصالحها، بما في ذلك المشاريع النفطية، بينما يبقى الليبيون خارج الحسابات الفعلية للحل.
ورأى البدري أن الدبيبة غير قادر على الاعتراض على الفيتو التركي، إذ أن أنقرة هي اللاعب الرئيسي والمسيطر على المشهد الليبي، ولديها مصالح واسعة في غرب وشرق ليبيا، وتسعى إلى استخلاص ورقة تفاوضية قوية أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة، خاصة من خلال اعتماد الاتفاقية الليبية التركية، التي صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنها ستُعتمد من قبل البرلمان الليبي.
واستطرد البدري بأن الدبيبة يحاول مسايرة تركيا، مستفيدًا من الشرعية الدولية، لكنه يفتقر إلى الخيارات الحقيقية لفرض موقفه أو مواجهة المصالح التركية، مؤكداً أن كل الأطراف الخارجية المتدخلة في الملف الليبي تعمل وفق مصالحها الخاصة وتستفيد من عدم توافق الليبيين.
وأشار البدري إلى أن موقف الدبيبة في أي حوار سياسي أو طاولة حوار محتملة، قد تقودها البعثة الأممية، يعتمد بشكل رئيس على الشرعية الدولية والاعتراف الدولي، خصوصًا أن المجتمع الدولي يتعامل مع حكومته باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة، بينما تتجنب بعض الدول التعامل مع حكومة البرلمان، بما يخدم مصالحها الخاصة.
وأضاف أن الدبيبة مستعد لتقديم كل ما يلزم للبقاء في السلطة، مستفيدًا من الانقسام السياسي المستمر، وتدفق الأموال، واستمرار الفساد، بينما يظل حلم الليبيين في توحيد المؤسسات وإجراء انتخابات حرة ونزيهة خارج حسابات أغلب الأطراف المسيطرة على المشهد السياسي.
واختتم البدري بالإشارة إلى أن السيناريوهات المستقبلية في طرابلس تبقى مفتوحة، موضحًا أن أي شيء يمكن أن يحدث على الأرض، خاصة في ظل غياب مؤسسات دولة قادرة على فرض الأمن أو جيش موحد، وانتشار السلاح بشكل واسع.
ولفت إلى أن المشهد الميداني في العاصمة يعتمد حاليًا على القوتين الفعلية على الأرض، وهما جهاز الردع والقوات التي كانت تحت قيادة غنيوة، مع احتمال الدخول في مفاوضات مع قوى عسكرية أخرى في مناطق مختلفة، مؤكداً أن المؤسسات الرسمية القائمة لا تمتلك القوة الحقيقية لفرض نفسها، وبالتالي تبقى كل التحركات السياسية مرتبطة بالواقع الميداني أكثر من أي اتفاقات رسمية.
وأردف البدري أن الدبيبة، بعد نجاحه في الاتفاقية الحالية، سيحاول الدخول في توافقات إضافية بأي وسيلة كانت، بما في ذلك دفع الأموال أو التفاوض، لتعزيز موقعه في طرابلس، معربًا عن أن عدم وجود مؤسسات حقيقية يجعل الأبواب مفتوحة أمام كل الاحتمالات، ويترك المشهد عرضة للتطورات المفاجئة وغير المتوقعة.