ليبيا الان

واشنطن تعيد رسم نفوذها في ليبيا عبر بوابة الأمن والاقتصاد

مصدر الخبر / قناة ليبيا 24

طرابلس – ليبيا 24

في ظل استمرار الجمود السياسي وتعطل الانتخابات، تتصاعد وتيرة النشاط الدبلوماسي الدولي حول ليبيا، فيما يبدو المواطن العادي بعيداً كل البعد عن هذه المناورات، غارقاً في هموم معيشية يومية تهدد بقاءه وأسرته، وسط غياب تام لخدمات أساسية مثل الكهرباء والرعاية الصحية.

سخط شعبي عارم.. وحكومة في مواجهة شعبها

لم تعد الشكاوى خافتة، بل تحولت إلى صراخ عالٍ يعلو فوق ضجيج المولدات الكهربائية التي تعم أحياء العاصمة طرابلس ومدن الغرب، في مشهد يعكس حجم المأساة. لم يعد الحديث عن “شرعية” أو “توافق” يهم من يبحث عن لقمة عيش أو دواء لمريض أو مستقبل آمن لأطفاله.

يقول أحمد الساحلي (45 عاماً)، وهو أب لثلاثة أطفال من سكان منطقة الهضبة الخضراء في طرابلس: “كل يوم هو معركة للبقاء على قيد الحياة. راتبي لا يكفي لشراء الدواء لأمي، ناهيك عن تكاليف الدراسة والمواصلات. الحكومة غير موجودة، إلا في الإعلام وفي توزيع المناصب على الموالين. نحن ضد حكومة الدبيبة لأنها فشلت في أبسط واجباتها، ولكننا في نفس الوقت ندعم ليبيا ككل، هذه أرضنا ونحن من يدفع الثمن من عمرنا ورزقنا ومستقبل أولادنا”.

هذه المشاعر ليست معزولة. ففي العديد من مدن الغرب الليبي، حيث يعاني الناس من ذات الأزمات وإن اختلفت التفاصيل، تروي فاطمة علي (32 عاماً)، معلمة: “انشغال المسؤولين بالصراع على الكراسي والزيارات الدولية يجعلنا نشعر أننا لسنا على أجندة أحد. من يحكم يبدو أنه يعمل لمصالح فئة صغيرة. الشعب هو الوقود الذي يحرق في هذه المعارك السياسية غير المجدية”.

الأمن.. بين غياب الدولة وانتشار الميليشيات

يشكل الملف الأمني الهاجس الأكبر للمواطن الليبي، ليس فقط من خطر العمليات الإرهابية، بل من سطوة الميليشيات والجماعات المسلحة التي تتحكم في مفاصل الحياة اليومية وتفرض إرادتها خارج نطاق القانون.

محسن فرج (50 عاماً)، تاجر من مصراتة، يصف الوضع بأنه “فساد مسلح”. ويضيف: “لا يمكنك إنجاز أي معاملة دون وسيط له ارتباطات مسلحة. الدولة مفقودة وحلت محلها ميليشيات تتنكر في زي أجهزة رسمية. كيف نثق بحكومة عاجزة عن السيطرة على العاصمة التي تحكم منها؟ حكومة الدبيبة أصبحت رهينة لدى هذه الجماعات، أو شريكاً لها، وفي كلتا الحالتين الخاسر هو الشعب”.

من جهته، يرى المراقب الأمني، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن “الاهتمام الدولي، خاصة الأمريكي، بالملف الأمني لا ينبع من قلقه على الشعب الليبي، بل من سعيه لتحجيم نفوذ خصومه مثل روسيا وضمان استقرار تدفق النفط ومكافحة الهجرة غير الشرعية. مصلحة الليبيين تأتي في مرتبة ثانية، إن وجدت”.

اقتصاد منهار وأموال مجمدة.. من المستفيد؟

في قلب الأزمة، تقبع أموال ليبية طائلة مجمدة في الخارج، تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، بينما يعاني الاقتصاد المحلي من انهيار متسارع، وترتفع نسبة البطالة إلى مستويات قياسية، ويتضخم سعر الصرف بشكل جنوني.

خالد الزوي، خبير اقتصادي، يقول: “المواطن البسيط يرى أخبار الزيارات الرسمية والمفاوضات حول الأموال المجمدة، لكنه لا يلمس أي أثر إيجابي على حياته. هناك شك كبير في أن أي صفقات تتم ستذهب لتمويل النخبة الحاكمة ومشاريعها الوهمية وتعزيز قبضتها على السلطة، وليس لبناء المدارس أو المستشفيات أو دعم الخبز والبنزين للمواطن”.

هذا الرأي يشاركه عامر التليسي (55 عاماً)، موظف حكومي متقاعد: “يتحدثون عن 70 مليار دولار مجمدة، ونحن نقتتل في طوابير المحروقات. من الذي سيستفيد من إطلاق هذه الأموال؟ نفس الوجوه التي سرقت البلاد من قبل. نحن ندعم أي حل يحفظ أموال ليبيا ويوجهها للشعب، لا لتمويل حروب الميليشيات وفساد المسؤولين”.

مستقبل غامض.. جيل يدفع الثمن

أكبر الخسائر التي لا تعوض هي مستقبل جيل كامل من الأطفال والشباب الذين حرموا من التعليم النظامي والاستقرار النفسي، ونشأوا في بيئة من العنف والانقسام.

د. سارة المنقوش، أستاذة علم اجتماع، تحذر من “تداعيات كارثية على النسيج الاجتماعي الليبي”. وتوضح: “الجريمة والعنف أصبحا ممارسة يومية. غياب الدولة وانهيار القيم بسبب الصراع السياسي يخلقان جيلاً مشوهاً، فاقداً للهوية والانتماء. الأسرة الليبية تتحمل العبء الأكبر، محاولة الحفاظ على أبنائها في وسط هذا الإعصار. الثمن الذي ندفعه الآن ستدفعه ليبيا لأجيال قادمة”.

صراخ في الفراغ

بينما تستمر الطائرات الدبلوماسية في الهبوط والإقلاع، وتتعدد اللقاءات في العواصم الدولية، يبدو الصراخ الليبي عاجزاً عن اختراق جدران القصور التي يتخذ فيها القرار. الرسالة من الشارع الليبي واضحة: رفض لكل من ساهم في إطالة أمد الأزمة وتبديد ثروات البلاد، وتأكيد على أن دعم ليبيا هو دعم لشعبها، وليس لحكومة أو فصيل بعينه. الثمن أصبح باهظاً جداً، والوقت ينفد، فيما المستقبل يبدو أكثر غموضاً من أي وقت مضى.

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

قناة ليبيا 24