ليبيا الان

نار الاشتباكات تلتهم أحياء صبراتة والمواطنون بين المطرقة والسندان

مصدر الخبر / قناة ليبيا 24

ليبيا 24

اشتباكات مسلحة تثير الرعب في أحياء صبراتة السكنية.

صبراتة – عادت المشاهد المأساوية لتطبع واقع مدينة صبراتة، بعد أن اندلعت مواجهات عنيفة استخدمت فيها الأسلحة النارية داخل حي سكني، مما ألقى بظلال من الخوف والرعب على الأهالي، في ظل غياب سلطة فعيلة قادرة على بسط الأمن وحماية المدنيين.

اندلعت الاشتباكات في منطقة دحمان، بين مجموعة من السكان وتشكيل مسلح. ولم تصل حتى هذه اللحظة أي تقارير رسمية تؤكد وقوع خسائر في الأرواح أو حجم الدمار المادي، الذي يُتوقع أن يكون كبيراً نظراً لأن الحوادث وقعت في قلب منطقة مأهولة بالسكان.

صمت رسمي وصراخ أهالي

لم تتصدر أي جهة أمنية أو حكومية مكلفة بالبيان الرسمي لتوضيح دوافع هذه الاشتباكات أو لطمأنة المواطنين، وهو ما فسره السكان على أنه دليل جديد على انفلات السيطرة الحكومية وتراجع هيبة الدولة. قال أحد السكان، الذي آثر عدم ذكر اسمه خشية التعرض للأذى: “الوضع لا يطاق. أصوات الرصاص تصل إلى داخل بيوتنا. أطفالنا يرتعبون. أين الدولة؟ أين القانون؟ نحن محاصرون بنيران المسلحين”.

وأضاف آخر بحسرة واضحة: “كل فترة تشتعل النار في منطقة، والعاقبة هي تدمير بيوتنا وموت أبرياء. إلى متى ستستمر هذه المعاناة؟ لقد تعبنا من أن نكون حطباً لصراعات لا ناقة لنا فيها ولا جمل”.

مساعي وساطة محلية لامتصاص الأزمة

في محاولة لاحتواء الغضب ومنع اتساع رقعة الاشتباكات، بادر وجهاء وعقلاء من المدينة إلى عقد لقاءات مباحثات عاجلة مع الأطراف المتنازعة. وتركّز هذه الجهود، التي توصف بأنها “إطفاء للحريق بشكل يومي”، على تحقيق هدنة مؤقتة ووقف إطلاق النار، على أقل تقدير. إلا أن هذه الآليات التقليدية تبقى حلولاً سطحية غير قادرة على معالجة جذور الأزمة الأمنية المستفحلة.

مشهد أمني مهترئ وتكرار للمأساة

لا تأتي أحداث صبراتة منفصلة عن سياق عام يتسم بهشاشة أمنية بالغة في محيط العاصمة ومدن الغرب الليبي. فقبل يومين فقط، شهدت مدينة جنزور القريبة اشتباكات عنيفة باستخدام أسلحة ثقيلة بين تشكيلات مسلحة مختلفة الانتماءات، مما يؤكد نمطاً متكرراً من العنف الذي يهدد باستمرار حياة المدنيين.

هذا التكرار في الأحداث الدامية يطرح تساؤلات كبيرة حول مدى جدوى الاتفاقيات الأمنية التي تعلن بين الفينة والأخرى، وقدرة الجهات التنفيذية على تحويلها إلى واقع ملموس على الأرض. يبدو أن الهوة لا تزال واسعة بين ما يتم التوقيع عليه في الغرف المغلقة وبين الواقع المرير في الشوارع.

تحليلات: تشكيلات مسلحة تعكس غياب الدولة

يرى مراقبون أن المشكلة الأساسية تكمن في طبيعة الخريطة الأمنية القائمة، حيث تنتشر تشكيلات مسلحة عديدة تعلن ولاءات متضاربة، وتعمل في كثير من الأحيان كدويلات داخل الدولة الواحدة. هذه التشكيلات، التي تتراوح بين جماعات مسلحة ذات غطاء رسمي ومجاميع قتالية لأغراض اقتصادية أو قبلية، أصبحت هي الطرف الفاعل الرئيسي في المشهد، بينما تراجعت مؤسسات الدولة الأمنية إلى الخلفية.

ويُعتقد أن العديد من هذه المجموعات تتحرك لخدمة مصالح ذاتية أو محلية، مستفيدة من فراغ السلطة وانهيار النظام الأمني المركزي. وهذا يجعل عملية نزع السلاح أو إخضاع هذه التشكيلات لقرار الدولة مهمة شبه مستحيلة في الظروف الراهنة، خاصة مع تعقد الخلفيات السياسية والدعم الخارجي الذي تحظى به بعضها.

تداعيات إنسانية متصاعدة

الضحية الأكبر في هذا المشهد المتأزم هم المواطنون العاديون. فبالإضافة إلى الخوف الدائم من الرصاص الطائش، يعاني السكان من تدهور الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والرعاية الصحية، والتي تتوقف بشكل شبه كامل مع كل جولة عنف. كما أن الحركة الاقتصادية تتوقف، مما يدفع بالمزيد من العائلات إلى هوة الفقر.

تقول أم محمد، وهي سيدة في الخمسينيات من عمرها: “حياتنا أصبحت جحيماً لا يطاق. لا نستطيع الخروج لشراء الطعام، والمستشفيات غير مجهزة لاستقبال الإصابات إذا حدثت. نحن نعيش على كف عفريت”. هذا الشعور بالإهمال والتخلي يسيطر على غالبية السكان، الذين باتوا يفقدون الأمل في إمكانية عودة الحياة الطبيعية والآمنة.

مستقبل غامض وإمكانية للتدهور

مع استمرار حالة الانقسام السياسي وعدم وجود إرادة جماعية حقيقية لبناء جيش وأجهزة أمنية موحدة، يبدو المستقبل القريب قاتماً. المؤشرات على الأرض لا تبشر بالخير، بل تشير إلى إمكانية تكرار وتصاعد هذه الاشتباكات، ربما بأشكال وأطراف أكثر خطورة.

السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار الوضع على ما هو عليه: حالة من عدم الاستقرار المزمن، تتخللها فترات من الهدوء الهش تتبعها انفجارات عنف متفرقة. دون حل سياسي شامل يضع نزع سلاح هذه التشكيلات وتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية على رأس الأولويات، ستظل مدن غرب ليبيا ساحة مفتوحة للصراعات المسلحة، وستظل معاناة المواطن الليبي هي الثمن الوحيد المؤكد.

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

قناة ليبيا 24