قال الكاتب والصحفي، عبد الله الكبير، إن فرص نجاح المسار السياسي بين مجلسي النواب والدولة لا تزال قائمة، وإن كانت احتمالات الفشل أيضًا واردة بقوة، مستندًا في ترجيحه لفرص النجاح إلى عاملين رئيسيين.
وأوضح الكبير، في مداخلة على قناة “ليبيا الأحرار” رصدتها الساعة24، أن عامل الوقت يُعد أحد أبرز الدوافع التي قد تُجبر المجلسين على التوافق، إذ لم يتبقَّ أمامهما سوى ما يقارب خمسة أسابيع فقط تمثل الفرصة الأخيرة، لتحقيق توافق ينقل البلاد من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة أكثر استقرارًا.
وذكر أن البعثة الأممية تمثل العامل الثاني في الضغط على المجلسين، حيث تمتلك خطة بديلة قد يتم تفعيلها في حال فشل مجلسي النواب والدولة في تنفيذ التزاماتهما، وعلى رأسها تشكيل قيادة جديدة للمفوضية العليا للانتخابات، وإقرار قوانين انتخابية قابلة للتطبيق. مشيرا إلى أن هذه الخطة البديلة قد تُفضي إلى تهميش المجلسين في المرحلة المقبلة، دون أن تُقصيهما كليًا، لكنها ستُضعف من دورهما السياسي بشكل ملحوظ.
وفي معرض حديثه عن احتمالات الفشل، أشار الكبير إلى أن المجلسين فشلا في أكثر من أربعين محاولة سابقة للتوافق في ملفات متعددة، من بينها المناصب السيادية، القوانين الانتخابية، المسار الدستوري، وتشكيل الحكومة، معتبرًا أن كل هذه المحاولات انتهت إلى طريق مسدود.
كما لفت إلى أن اتفاقي الصخيرات وجنيف لم يتحققا إلا بعد تدخل أطراف من خارج المجلسين، مشيرًا إلى أن المبعوث الأممي السابق استدعى شخصيات أخرى ساهمت في التوصل إلى اتفاق، وهو ما تكرر لاحقًا في محطات تفاوضية أخرى.
وأرجع الكبير أحد أسباب تعثر التوافق إلى أن المجلسين ما زالا ينظران إلى المناصب السيادية من زاوية المحاصصة الجهوية والسياسية، مستدلًا على ذلك بتشكيل لجنتين منفصلتين من المجلسين، إحداهما معنية بإعادة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات، وأخرى للنظر في بقية المناصب السيادية، وهو ما يؤكد أن التفاوض ما زال يتم على أساس التوازن الجهوي.
ورأى أن اختيار شخصية من الغرب الليبي لرئاسة المفوضية العليا، سيدفع ممثلي الشرق للمطالبة بمنصب سيادي مقابل، مما يعكس استمرار ذهنية المحاصصة كعقبة رئيسية أمام أي توافق حقيقي.
وأكد الكبير أن الاتفاق بين مجلسي النواب والدولة بشأن إعادة تشكيل مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بات قريبًا جدًا، مرجحًا أن يتم الإعلان عنه خلال أسبوعين كحد أقصى، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة لن تواجه عراقيل كبيرة.
ورغم ذلك، حذّر الكبير من أن العقبة الجوهرية ما تزال متمثلة في ملف القوانين الانتخابية، موضحًا أن الطرفين لم ينجحا سابقًا في التوافق بشأنها، ولا يُرجح حدوث توافق قريب، لا سيما في ظل استمرار الخلافات حول شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى مسألة فصل الانتخابات الرئاسية عن البرلمانية من حيث النتائج.
وأوضح أن الطرف المسيطر على مجلس النواب يشترط ربط نتائج الانتخابات الرئاسية بالتشريعية، لضمان مسار سياسي يخدم مصالحه. ويعتقد هذا الطرف أنه في حال جرت الانتخابات الرئاسية ولم تحقق له النتائج المرجوة، فإن ذلك يعني، من وجهة نظره، إلغاء العملية الانتخابية بالكامل، رغم أن فرص نجاح الانتخابات التشريعية تظل كبيرة وتشبه فرص نجاح الانتخابات البلدية.
في المقابل، أكد الكبير، هناك أطرافاً سياسية أخرى ترفض هذا الربط، وتعتبر أن فشل أو تعطيل الانتخابات الرئاسية لا يجب أن يؤدي إلى إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية، حسب الكبير الذي اعتبر أن هذا الشرط بالتحديد يعكس إصرار الطرف المهيمن على مجلس النواب على التحكم بمخرجات العملية الانتخابية.
وأشار الكبير إلى أن هذه الإشكالية قد تدفع البعثة الأممية إلى تفعيل ما تسميه الحوار المهيكل، في خطوة مشابهة لما قامت به المبعوثة السابقة ستيفاني ويليامز، بهدف تجاوز العقبات التي تعرقل إصدار القوانين الانتخابية. كما لم يستبعد اللجوء إلى مسارات بديلة قد تنتج قوانين انتخابية خارج التوافق التقليدي بين المجلسين.
وردًا على سؤال حول ما إذا كان الاتفاق حول مجلس إدارة المفوضية يعتبر إنجازًا فعليًا في ظل استمرار الجمود بخصوص القوانين الانتخابية، أوضح الكبير أن الهدف الأساسي للبعثة الأممية هو تنفيذ خارطة الطريق بغض النظر عن مستوى نجاح الأطراف الليبية. مبينا أن التوافق حول المفوضية، إن تم، يُعد خطوة أولى ومهمة، لكنه لا يكفي لتحقيق الاستحقاق الانتخابي.
وشدد الكبير على أن هناك طريقًا طويلًا لا يزال أمام العملية الانتخابية في ليبيا، مليء بالعقبات السياسية في ظل بيئة دولية لا تبدي اهتمامًا كافيًا بمعاناة الليبيين، محذرًا من أن بعض الأطراف التي تدرك ضعف فرصها الانتخابية ستسعى إلى عرقلة المسار الانتخابي برمّته.
مضيفا أن المشهد السياسي في ليبيا لا يشهد أي ضغط فعلي على الأطراف الموجودة في السلطة، موضحًا أن هذه الأطراف تشعر بأريحية تامة وتستمتع بالمزايا التي توفرها لها مواقعها الحالية، دون اكتراث فعلي بتحقيق تقدم في المسار السياسي، لا سيما فيما يتعلق بالقوانين الانتخابية.
ولفت الكبير إلى أن المجتمع الدولي لا يتحدث بصوت واحد بشأن الأزمة الليبية، مشيرًا إلى أن الخلافات ما تزال قائمة، وأن ليبيا أصبحت ورقة في إطار الصراع والتفاوض الدولي. وأضاف: “الدول الفاعلة في المشهد الليبي تتعامل مع الملف الليبي على أساس المصالح: ماذا ستقدم لي لأتراجع عن نفوذي في ليبيا؟”.
وأوضح أن البعثة الأممية تعمل في ظروف شديدة الصعوبة، حيث لا تحظى بدعم حقيقي لا من القوى الداخلية السياسية والاجتماعية، ولا من القوى الدولية. واعتبر أن مجلسي النواب والدولة أقرب إلى الفشل، لأن تكليفهما بإعداد قوانين انتخابية يعني إطاحتهما من المشهد وإنهاء الامتيازات التي يتمتع بها أعضاؤهما.
ورأى الكبير أن بعض أعضاء المجلسين قد يتحولون إلى ضيوف في الفضائيات، بعد أن يفقدوا النفوذ والسلطة التي يملكونها حاليًا، وهو ما يدفعهم إلى تعطيل أي تقدم في المسار الانتخابي.
وفيما يتعلق بالحلول الممكنة، يرى الكبير أن الخيارات أمام البعثة الأممية محدودة، لافتًا إلى أن الحل الوحيد يتمثل في إشراك أطراف سياسية واجتماعية جديدة، من خارج المجلسين، تكون لها مصلحة حقيقية في إجراء الانتخابات، كما حدث في ملتقى جنيف سابقًا. مؤكداً أن بعض هذه الأطراف ترغب في الانتخابات إما للمشاركة فيها أو للظفر بنصيب من السلطة، معتبرًا أن ذلك ليس عيبًا، بل دافعًا يمكن توظيفه. لكنه أشار إلى أن الحوار السياسي المقبل يجب أن يكون موجهًا نحو إنهاء المرحلة الحالية، والدخول في مرحلة انتقالية جديدة، قد لا تكون نهائية لكنها تمهد للاستقرار الدستوري لاحقًا.
وفيما يخص القوى الفاعلة على الأرض، شكك الكبير في رغبتها الحقيقية في الانتخابات، موضحًا أن هذه القوى تستفيد من وجود المجلسين، اللذين يمنحانها غطاءً سياسيًا، في ظل امتلاكها للسلاح والمال. وقال: “لا أعتقد أن هناك قوة حقيقية تقف وراء المجلسين وتريد فعلاً إنهاء هذا المشهد عبر الانتخابات”.
وأكد الكبير أن احتمالات نجاح المجلسين في التوافق على القوانين الانتخابية ضعيفة جدًا، مستبعدًا أن يتمكنا من تجاوز عنق الزجاجة. لكنه أشار إلى أن البعثة الأممية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الفشل، متوقعًا أن تلجأ إلى الخيار البديل المتمثل في إشراك أطراف جديدة، وهو ما قد يصطدم بتحديات تتعلق بمدى دعم المجتمع الدولي لهذه الخطوة، أو تمسك بعض الأطراف بـ “شرعية” الأجسام القائمة وفق الاتفاق السياسي.
إلى ذلك، حذر الكبير من أن فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في ليبيا لا تزال ضعيفة، في ظل استمرار التباين في المواقف الدولية والإقليمية، وغياب إرادة حقيقية لدى الأطراف المحلية.
لافتا إلى أن الأطراف الإقليمية التي تمتلك مصالح مباشرة في ليبيا، مثل مصر وتركيا وبعض دول الخليج، تنظر بريبة إلى أي اتفاق يمكن أن يُقلص من نفوذها أو يتعارض مع مصالحها، مشيراً إلى أن هذه الدول لم تُبدِ دعماً واضحاً لأي مشروع تسوية قد يُحدث توازناً جديداً في البلاد.
وأضاف “أن الموقف الروسي واضح تماماً، فموسكو ستسعى إلى عرقلة أي خطة تقودها الولايات المتحدة في ليبيا، وهو ما يجعل من غير الواقعي انتظار دعم حقيقي لأي مشروع سياسي من قبل مجلس الأمن الدولي”.
واستشهد الكبير بتأخر صدور بيان مجلس الأمن الأخير، قائلاً: “البيان الصحفي صدر بعد عشرة أيام من إحاطة المبعوثة الأممية تيتيه، وهو ما يعكس فتوراً في الموقف الدولي تجاه الأزمة الليبية”.
واختتم الكبير تصريحاته بالتأكيد على أن الوضع الراهن في ليبيا مرشح للاستمرار لمدة عام آخر على الأقل، قائلاً: “لقد قلت سابقاً إن هذه فرصة أخيرة لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة للوقوف إلى جانب الشعب الليبي، وإنجاز قوانين انتخابية محايدة تُمهّد لتغيير سياسي حقيقي، لكن للأسف، هذا غير متوقع من مجلسين بات يُنظر إليهما على أنهما ميؤوس منهما”.