ليبيا 24:
أزمة الهجرة غير الشرعية في ليبيا: رؤية الباحثة ريم البركي بين القانون والسياسة والواقع الاجتماعي
تتصدر أزمة الهجرة غير الشرعية واجهة النقاشات المحلية والإقليمية والدولية المتعلقة بليبيا، حيث أصبحت البلاد نقطة عبور رئيسية للمهاجرين القادمين من عمق إفريقيا والمتجهين نحو الشواطئ الأوروبية.
وفي ظل هذه الأزمة، برزت أصوات بحثية وقانونية تنبه إلى أن الأزمة ليست مجرد تدفق بشري أو انعكاس للأوضاع الاقتصادية والأمنية في الدول المصدرة للمهاجرين، بل تتعلق بالعمق التشريعي والمؤسساتي في ليبيا نفسها.
من بين هذه الأصوات، جاءت مداخلة الباحثة المتخصصة في قضايا الأمن والهجرة، الدكتورة ريم البركي، عبر قناة ليبيا الحدث، والتي رصدتها “ليبيا 24”، لتضع النقاط على الحروف في مسألة حساسة تتعلق بغياب التشريعات الرادعة وتفشي التلاعب القانوني، بما أتاح لتجار البشر مساحات واسعة للإفلات من العقاب.
الهجرة غير الشرعية: أزمة إنسانية مركبة
ليست الهجرة غير الشرعية في ليبيا ظاهرة جديدة، لكنها اليوم تأخذ أبعادًا غير مسبوقة. فالمهاجرون يعبرون الحدود الجنوبية، غالبًا عبر طرق صحراوية قاسية، ثم يجدون أنفسهم ضحايا شبكات منظمة تتاجر بأحلامهم.
الأرقام الصادرة عن منظمات دولية تشير إلى أن عشرات الآلاف من المهاجرين يتدفقون سنويًا إلى ليبيا، أملاً في ركوب البحر باتجاه أوروبا. لكن هذه الرحلة غالبًا ما تتحول إلى مأساة، حيث يموت الكثيرون غرقًا أو يقعون فريسة للاستغلال الجنسي والاقتصادي.
تشخيص ريم البركي: الأزمة ليست فقط اقتصادية أو أمنية
في مداخلتها، شددت الدكتورة ريم البركي على أن المشكلة لا تكمن فقط في دوافع المهاجرين، سواء كانت الفقر، البطالة، النزاعات المسلحة، أو الأزمات السياسية في بلدانهم الأصلية، بل إن ليبيا نفسها تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية بسبب ثغرات تشريعية وقضائية.
وتؤكد أن القوانين الحالية “متساهلة للغاية” مع تجار البشر، ما يمنحهم فرصة للإفلات من العدالة أو التلاعب بمساراتها. هذا الواقع ـ بحسب البركي ـ ساهم في جعل ليبيا أرضًا خصبة لشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
البعد القانوني: غياب الردع الحقيقي
قوانين عاجزة عن المواجهة
القوانين الليبية المتعلقة بالهجرة غير الشرعية وتجارة البشر لا ترقى لمستوى التحديات الراهنة. فالعقوبات المقررة غالبًا غير رادعة، والإجراءات الجنائية يمكن التحايل عليها بسهولة.
تشير البركي إلى أن تجار البشر يستخدمون ثغرات قانونية، مثل ضعف آليات الإثبات وصعوبة تتبع شبكات التمويل، ليهربوا من الملاحقة أو يحصلوا على أحكام مخففة.
الحاجة إلى تشريعات صارمة
ترى البركي أن البداية الحقيقية لمواجهة الأزمة تكمن في إصلاح المنظومة التشريعية. ويتطلب ذلك إقرار قوانين صارمة، تشمل:
البعد الاجتماعي: ليبيا بين مجتمع مستضيف ومجتمع عابر
ليبيا ليست فقط بلد عبور، بل أصبحت بلدًا يستقر فيه آلاف المهاجرين بشكل مؤقت أو دائم. هذا الواقع أفرز مشكلات اجتماعية معقدة:
المواطنون الذين رُصدت آراؤهم عبر قنوات إعلامية محلية أكدوا أن المجتمع الليبي بات يشعر بالإنهاك من وجود موجات متلاحقة من المهاجرين، بينما تغيب الدولة عن وضع حلول متوازنة تراعي البعد الإنساني ولا تهمل حماية المجتمع.
البعد السياسي: ليبيا بين الضغوط الأوروبية والفراغ الداخلي
ضغط خارجي متصاعد
الاتحاد الأوروبي يضغط باستمرار على ليبيا للقيام بدور “حارس البوابة الجنوبية” لأوروبا، عبر اتفاقيات لدعم خفر السواحل وتقديم مساعدات مالية وفنية. غير أن هذا الضغط يقابله انتقادات من منظمات حقوقية تتهم الأوروبيين بتجاهل الجانب الإنساني للمهاجرين مقابل إغلاق الحدود.
فراغ داخلي
في الداخل، تفتقر ليبيا إلى سياسة وطنية موحدة لإدارة ملف الهجرة، بسبب الانقسام السياسي والمؤسساتي. فكل حكومة أو جهة سلطة تتعامل مع الملف من زاوية مصالحها الآنية، ما أضعف الموقف التفاوضي الليبي خارجيًا وأفقده القدرة على فرض حلول واقعية.
ريم البركي: الطريق يبدأ من الداخل
تؤكد الباحثة أن أي حلول مفروضة من الخارج لن تنجح ما لم تبدأ ليبيا من الداخل بإصلاح تشريعاتها وتحصين مؤسساتها. فشبكات التهريب تستغل الفوضى السياسية وغياب السيادة القانونية لتزدهر، وهو ما يجعل الردع القانوني حجر الزاوية في المعالجة.
آراء المواطنين: بين الغضب واليأس
دور المجتمع الدولي: بين الدعم والمساءلة
رغم الدعم المالي والفني الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لليبيا في هذا الملف، فإن كثيرًا من الليبيين يرون أن المجتمع الدولي يتعامل مع الأزمة من منظور أمني بحت، متجاهلًا البعد الإنساني والقانوني.
تؤكد البركي أن هذا النهج لن يؤدي إلا إلى استمرار دوامة المعاناة، وأن الحل يجب أن يقوم على شراكة متوازنة تعترف بحقوق المهاجرين وتدعم ليبيا في بناء منظومة قانونية قوية.
نحو رؤية شاملة للحل
للتعامل مع الأزمة، تقترح البركي وخبراء آخرون خارطة طريق تتضمن:
أزمة الهجرة غير الشرعية في ليبيا لم تعد مجرد قضية عابرة، بل تحولت إلى معضلة اجتماعية وقانونية وسياسية تمس سيادة الدولة وأمنها ومكانتها الدولية.
مداخلة الدكتورة ريم البركي وضعت الأصبع على الجرح، مؤكدة أن البداية الحقيقية تكمن في الداخل، في صياغة تشريعات صارمة وحاسمة ضد تجار البشر، قبل أي شيء آخر.
وبينما يظل المهاجرون يبحثون عن حياة أفضل، يبقى السؤال: هل تتحرك ليبيا لسن قوانين تحمي أرواح هؤلاء وتحصن مجتمعها، أم ستظل فوضى التشريعات تفتح الأبواب لمزيد من المآسي؟
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا