بنغازي – ليبيا 24
تشهد ليبيا حركة تطوير غير مسبوقة في قطاع الكهرباء، تهدف إلى إنهاء معاناة المواطنين مع انقطاع التيار وتحقيق الاستقرار المنشود للشبكة الوطنية، وذلك في إطار خطة شاملة تدعمها الحكومة الليبية ووزارة الكهرباء والطاقات المتجددة، ويمولها صندوق التنمية وإعادة الإعمار، وينفذها كادر وطني من المهندسين والفنيين.
تحول استراتيجي في قطاع حيوي
بعد سنوات من التحديات التي عصفت بقطاع الكهرباء، أحد أهم روافد الحياة اليومية والتنمية الاقتصادية، تدخل ليبيا مرحلة جديدة تعكس إرادة سياسية وتنفيذية حازمة لإحداث نقلة نوعية. وتترجم هذه الإرادة عبر سلسلة من المشاريع الميدانية الملموسة التي لم تعد مجرد وعود، بل أصبحت واقعاً يُشاهد في مختلف مناطق البلاد، وخاصة في مدينة بنغازي والمنطقة الشرقية، حيث تسابق الفرق الفنية الزمن لتعويض سنوات الإهمال وبناء أساس متين لشبكة كهربائية مستقرة.
محطة بوعطني القديمة: رمز للتجديد واستقرار الشبكة
في زيارة تفقدية حملت دلالات عملية أكثر منها رمزية، وقف وزير الكهرباء والطاقات المتجددة الدكتور عوض البدري داخل محطة بوعطني القديمة في بنغازي، لمتابعة سير أعمال تركيب محول كهربائي جديد جهد 30 كيلو فولت. هذا المحول ليس قطعة معدنية عادية، بل هو شريان حياة جديد لمنطقة سكنية واسعة، ومن شأن تشغيله أن يضع حداً لمعاناة المواطنين مع انقطاع التيار المتكرر.
وأكد الوزير البدري خلال الجولة أن “هذا المشروع يتجاوز كونه استبدالاً بسيطاً للمعدات، إنه خطوة عملية حقيقية نحو استقرار الشبكة وتحسين الخدمة للمواطنين بالمنطقة”. مشيراً إلى أن “الدعم الحاسم من صندوق التنمية وإعادة الإعمار، والإشراف المباشر من الوزارة، والتعاون الوثيق مع الشركة العامة للكهرباء، كان له الدور الأكبر في تجاوز الصعوبات التي كنا نواجهها سابقاً”.
ومن المقرر أن تدخل المحولة الجديدة الخدمة خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد الانتهاء من الاختبارات التشغيلية النهائية، مما سينعكس إيجاباً على آلاف المشتركين.
منطقة شبنة (د): نهاية معاناة وساعات انقطاع طويلة
وفي إطار نفس الجهود المتكاملة، وشهدت منطقة شبنة (د) في بنغازي حدثاً تاريخياً تمثل في تركيب محطة جاهزة جديدة بقدرة 1000 كيلو فولت أمبير، وذلك بدعم كامل من صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا وإشراف مباشر من وزارة الكهرباء.
وكان سكان المنطقة يعانون لسنوات من ضعف التغذية الكهربائية بسبب تردي حالة المحول القديم، مما كان يتسبب في انقطاع التيار لساعات طويلة. وبعد تنفيذ المشروع في وقت قياسي، انطلق التيار الكهربائي بشكل مستقر، وسط مشاعر الفرح والامتنان من الأهالي الذين أشادوا بالجهود السريعة التي بذلت لإنهاء معاناتهم.
صيانة الخطوط الاستراتيجية: تعزيز موثوقية الشبكة الوطنية
على صعيد متصل، وفي إنجاز هندسي لافت، نجحت الفرق الفنية التابعة لإدارة صيانة خطوط الجهد الفائق بالمنطقة الشرقية في إنجاز أعمال تنظيف وصيانة 168 برجاً على خط نقل الطاقة الحيوي “درنة – التميمي” بجهد 220 كيلو فولت، وذلك خلال عشرة أيام فقط من العمل المتواصل والمكثف.
ويعد هذا الخط شرياناً رئيسياً يغذي عدة مدن ومناطق، وكانت عملية الصيانة تحمل درجة عالية من التعقيد والمخاطرة، حيث استمر تشغيل الدائرة الأولى من الخط أثناء صيانة الدائرة الثانية لضمان عدم انقطاع التيار عن المواطنين. ويعكس هذا الإنجاز الكفاءة العالية للفرق الفنية والتخطيط المحكم الذي تقوده الوزارة ويدعمه الصندوق.
–
صندوق التنمية وإعادة الإعمار: محرك أساسي للتمويل والدعم اللوجستي
يبرز صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، تحت قيادة المهندس بلقاسم خليفة حفتر، كشريك استراتيجي وفاعل في معركة استقرار الكهرباء. لم يقتصر دور الصندوق على توفير التمويل اللازم لشراء المعدات الجديدة فحسب، بل امتد ليشمل الدعم اللوجستي والتسهيلات التي أسهمت في تسريع وتيرة العمل بشكل غير مسبوق.
ويؤكد هذا الدور الرائد للصندوق التزامه بمعايير الحوكمة والشفافية في تنفيذ المشاريع، مما يعكس ثقة الحكومة الليبية في هذه المؤسسة الوطنية للقيام بدور محوري في إعادة الإعمار والتنمية.
رؤية مستقبلية: نحو شبكة كهربائية متينة ومستقرة
لا تمثل هذه المشاريع المنفذة سوى حلقات في سلسلة طويلة من خطة طموحة تتبناها الحكومة الليبية ووزارة الكهرباء والطاقات المتجددة. وتستند هذه الرؤية المستقبلية على عدة ركائز أساسية، أهمها:
1. التحديث والتطوير: استبدال المعدات القديمة والمتهالكة بأخرى جديدة عالية الكفاءة.
2. الصيانة الاستباقية: تنفيذ خطط صيانة دورية وشاملة للبنية التحتية القائمة لمنع الأعطال المفاجئة.
3. تعزيز الكفاءات: الاستثمار في العنصر البشري عبر التدريب المستمر للفرق الفنية والهندسية.
4. التكامل الإقليمي: العمل على ربط الشبكة الكهربائية بشكل أفضل بين مختلف مناطق البلاد لتحقيق التوازن في التغذية.
إرادة وطنية تترجم إلى إنجازات ملموسة
الرسالة التي تبعثها هذه المشاريع المتزامنة في بنغازي وشرق ليبيا واضحة: هناك إرادة حقيقية لدى الحكومة الليبية ووزارة الكهرباء والطاقات المتجددة، مدعومة بتمويل فاعل من صندوق التنمية وإعادة الإعمار، لتحقيق نقلة نوعية في قطاع الكهرباء. الإنجازات على الأرض، رغم أنها البداية، تثبت أن العمل الجاد والمنظم قادر على تجاوز أكبر التحديات. ومع استمرار هذا الزخم، فإن شبكة كهربائية مستقرة وموثوقة في ليبيا ليست حلماً بعيد المنال، بل هي هدف قابل للتحقيق في المستقبل القريب.
يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا