أكد الباحث الاقتصادي محمد الصافي، أن الإجراءات الأخيرة التي أطلقها مصرف ليبيا المركزي تهدف إلى تعزيز الاستقرار النقدي في البلاد، لكنها تواجه تحديات كبيرة في ظل الإنفاق الحكومي غير المنضبط.
وأوضح الصافي، خلال مقابلة مع تلفزيون “المسار”، رصدتها صحيفة الساعة24، أن الاستقرار النقدي يتطلب خطة مالية متوازنة وإرادة سياسية موحدة، محذرًا من أن أي توسع مالي غير محسوب سيعيد البلاد إلى نقطة الصفر.
وبين أن الطلب على الدولار لتوريد البضائع بدأ في الانخفاض تدريجياً، مع زيادة الاعتماد على الاعتمادات المستندية القانونية، وهو ما اعتبره مؤشرًا إيجابيًا على تحسن إدارة السياسة النقدية، وتقليص دور السوق الموازية دون المساس بالاحتياطي النقدي أو الذهب.
ولفت الصافي، إلى أن انخفاض سعر صرف الدولار يعكس استجابة السوق للإجراءات المتبعة، لكن نجاح هذه السياسات لن يكتمل إلا بضبط الإنفاق، مؤكدًا أن المصرف المركزي لا يستطيع بمفرده مقاومة سياسات مالية توسعية دون سند اقتصادي حقيقي.
ورأى الصافي إن الجدل حول موضوع سحب العملة الأجنبية عبر مكاتب الصرافة وبطاقات الدفع الإلكتروني، لا يمثل جوهر الأزمة، بل يُعتبر من مظاهرها، متابعا أن التركيز على هذه الظواهر يطمس الصورة الأوسع، والسبب الجوهري يتمثل في زيادة المعروض النقدي غير المغطى اقتصاديًا، نتيجة تمويل العجز أو الطباعة الإلكترونية – حسب رأيه.
وشدد الباحث الاقتصادي، على أن تمويل العجز بشكل مباشر من قبل المصرف المركزي يخالف قانون المصارف الليبية، معتبراً أن استمرار هذه السياسات دون رقابة قانونية أو سياسية يشكل خطراً حقيقياً على استقرار العملة، داعيا إلى إصلاح شامل في السياسة المالية، وتقنين التمويل، وتعزيز الشفافية والمساءلة.
وقال الصافي، إن الحديث عن إلغاء الضريبة على النقد الأجنبي خلال عام 2025 يمثل تحدياً حقيقياً، لا يمكن تحقيقه دون وجود حكومة موحدة بميزانية شفافة تشمل كامل التراب الليبي، مؤكدا أن السياسة النقدية تعاني حالياً من الجمود نتيجة غياب أدوات فعالة كالفائدة، وسعر صرف حقيقي.
وأضاف أن المركزي قام باستخدام نحو 6 مليارات دولار من الاحتياطيات خلال الأشهر العشرة الماضية لحماية الدينار، موضحا أن هذا الاستخدام لا يشكل تهديدًا مباشرًا على الاحتياطي، إذا ما استُخدم بحكمة ووفق خطة واضحة.
وكشف الصافي، أن الاحتياطي النقدي الذي يقدّر حاليًا بأكثر من 90 مليار دولار، يشمل ما يقارب 17) ) مليار دولار من الذهب، بعد إعادة تقييم الأصول وفق الأسعار السوقية الحديثة، داعيا إلى نشر جداول تفصيلية دورية للاحتياطيات من قبل البنك المركزي لتعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني.
وقال الصافي، إن أداء إدارة المصرف المركزي، خلال العام الماضي تميز بمحاولات إصلاح ملموسة، لكنه لم يخلُ من تحديات مستمرة، أبرزها ضعف الشفافية، وتقصير في رقابة الأنشطة التجارية، وتضارب في بعض السياسات.
ونوه بأن الاستقرار الاقتصادي في البلاد لن يتحقق بالإجراءات التقنية وحدها، بل يتطلب قرارًا سياسيًا جريئًا يوقف الإنفاق العشوائي ويضبط تمويل العجز، متابعا أن الاقتصاد وحده لا يكفي إذا لم تسانده إرادة سياسية واضحة تعترف بالمشكلة وتعالج جذورها.