القاهرة – بوابة الوسط
تزايد الجدل مؤخرا بشأن دور التهريب في استنزاف الاقتصاد الليبي، أو ما يصفه محللون بـ«الثقب الأسود»، خصوصا بعد أن كثّفت السلطات الأمنية الليبية حملاتها لمكافحة التهريب (السلع والوقود الليبي) عبر معبر رأس اجدير الحدودي مع تونس.
وتعد الأنشطة التجارية غير الرسمية مصدر رزق لعديد من المناطق الحدودية بين ليبيا وتونس، ما يفاقم الجدل والتوتر بشأن أية إجراءات أمنية.
وباشرت السلطات الليبية إجراءات تفتيش صارمة للمسافرين والبضائع، واعتقلت الأجهزة الأمنية في ليبيا أكثر من 30 تونسيا الأسبوع الماضي وحجزت عشرات السيارات بتهمة تهريب السلع والوقود من ليبيا بطريقة غير قانونية.
التهريب يؤثر على قيمة العملة ومعيشة المواطنين
ومن هنا تعهدت وزارة الداخلية في غرب ليبيا أنّها ستواصل عملياتها لتأمين منفذ معبر رأس اجدير البري ومكافحة أنشطة التهريب، مشددة على أنها لن تتهاون مع أي شخص تسوّل له نفسه انتهاك القانون أو المساس بأمن الوطن ومقدراته.
وفي هذا السياق فإن التهريب في ليبيا يمثل تحدياً كبيراً للاقتصاد الكلي، إذ إنه، ووفق الخبير الاقتصادي الليبي يوسف يخلف، «ثقب أسود يؤثر سلبا على قيمة العملة، معيشة المواطنين، الاحتياطيات من النقد الأجنبي، والمتغيرات الاقتصادية الكلية».
ويقول يخلف «التهريب يجري على نطاق واسع عبر الحدود مع تونس، مما يؤدي إلى تسرب كميات كبيرة من السلع الأساسية والكمالية التي يتم استيرادها بالعملات الصعبة».
ويضيف الخبير الليبي «السلع المهربة إلى تونس يجري شراؤها بالدينار الليبي، ولكنها تباع في السوق التونسية بالدينار التونسي أو العملات الأجنبية».
ويخلص إلى القول إن «الطلب على الدينار الليبي ينخفض في السوق السوداء، مما يؤدي إلى انخفاض قيمته مقابل العملات الأجنبية ويزيد تكلفة الواردات ومن ثم ارتفاع الأسعار المحلية (التضخم)».
وصول التضخم إلى 2.8%
وفقا لتقديرات البنك الدولي، بلغ معدل التضخم في ليبيا نحو 2.8% خلال عام 2024، ومن المتوقع أن يستقر عند 2.6% في عام 2025.
ومطلع العام الجاري، توقعت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «إسكوا» استقرار نسبة التضخم في ليبيا عند 2% بعامي 2025 و2026.
ويلحظ خبراء أن تهريب السلع الأساسية إلى الخارج يفقد الليبيين الثقة في عملتهم المحلية، ويدفعهم إلى التحول إلى العملات الأجنبية كوسيلة للادخار أو المعاملات ويضع المزيد من الضغط على سعر الصرف وينعش السوق السوداء.
ويقول الخبير الاقتصادي الليبي يوسف يخلف، إن «التهريب يؤدي إلى نقص في المعروض من السلع الأساسية في السوق المحلية الذي يقابله طلب كلي مرتفع، مما يدفع الأسعار إلى الارتفاع».
زيادة العجز جراء التهريب
ويحذر يخلف من أن «التهريب يؤدي إلى زيادة العجز في ميزان المدفوعات»، موضحا أن «الصادرات غير الرسمية (السلع المهربة) لا تسجل في الحسابات الرسمية، بينما يجري تسجيل الواردات التي تم شراؤها بالعملات الأجنبية».
ووسط هذه الأزمة خرجت دعوة إلى «اتخاذ إجراءات شاملة تشمل تعزيز الرقابة، مكافحة الفساد».
وقال الخبير الاقتصادي «دون معالجة جذرية لهذه الظاهرة، سيستمر الاقتصاد الليبي في المعاناة من التحديات التي تعيق نموه واستقراره»، وتساءل: «ألا يكفيه العقول المشوهة التي تصنع قراره الاقتصادي، لنزيده هذا الثقب الأسود».
وسبق أن ناقش مدير إدارة الاستخبارات العسكرية بقوات «الجيش» التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» اللواء محمود حمزة، خلال زيارته تونس في ديسمبر الماضي، ملفي الإرهاب والتهريب. والتقى حمزة وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي، ومدير وكالة الاستخبارات، ورئيس جيش البر التونسي.
تشهد ليبيا نزاعات وانقسامات سياسية واقتصادية منذ العام 2011، حيث تدير شؤونها حاليا حكومتان متنافستان: الأولى في طرابلس (غرب) برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والثانية في بنغازي (شرق) برئاسة أسامة حماد، وتحظى بدعم البرلمان، وقائد قوات «القيادة العامة» المشير خليفة حفتر.