اقتصاد

البرغوثي: إصلاحات الاقتصاد بين المصرف المركزي وبقية المؤسسات

كتب أستاذ الاقتصاد السياسي “محمد البرغوثي”: إصلاحات الاقتصاد بين المصرف المركزي وبقية المؤسسات

في التجارب الاقتصادية المعاصرة، لا يُنظر إلى المصرف المركزي باعتباره المؤسسة الوحيدة المسؤولة عن الإصلاحات الاقتصادية، بل باعتباره جزءًا من منظومة متكاملة تضم وزارات المالية، وهيئات الاستثمار، وأجهزة الرقابة، والمصارف التجارية، والسلطات التنفيذية. هذه المنظومة (في حال عملها بتناغم) تُشكل ما يعرف بالهندسة الكلية للاقتصاد الوطني.

لكن في الحالة الليبية، تبرز معضلة واضحة، غياب الفعالية المؤسسية لدى العديد من الأجهزة المعنية بالإصلاحات، إما بسبب البيروقراطية المفرطة، أو ارتفاع مستويات الفساد، أو الصراع على النفوذ بين السلطات.
هذا التعثر جعل المصرف المركزي، بحكم طبيعته واستقلاليته النسبية، في موقع يقوم فيه بأدوار أبعد من اختصاصه التقليدي.

المصرف المركزي كمؤسسة ما فوق المؤسسات

من الناحية الأكاديمية، المصارف المركزية عادة ما تقتصر وظائفها على:
• إدارة السياسة النقدية.
• حماية قيمة العملة الوطنية.
• الإشراف على القطاع المصرفي.
• إدارة الاحتياطيات الأجنبية.

غير أن الواقع الليبي دفع مصرف ليبيا المركزي إلى ما يمكن وصفه (بالدور المزدوج)،حيث أصبح يتدخل في ملفات لا تندرج ضمن صلاحياته المباشرة، مثل:
• ضبط موازنات الإنفاق العام بشكل غير مباشر.
• محاولة تنظيم سوق النقد الأجنبي بآليات تتجاوز الإطار النقدي التقليدي.
• التدخل لتقليص فجوات الفساد في عمليات التمويل والاستيراد.

هذا التوسع في الأدوار لم يكن خيارًا استراتيجيا بقدر ما كان ضرورة واقعية، فرضتها حالة الانقسام المؤسساتي وضعف أدوات الحوكمة في بقية القطاعات.

مأزق الانتظار، الاقتصاد لا ينتظر

الإصلاحات الاقتصادية في ليبيا لا يمكنها أن تنتظر إلى أن تقوم الوزارات والهيئات المعنية بإصلاح ذاتها ثم تشرع في الإصلاح الشامل. فالمجتمع والسوق لا يملكان ترف الانتظار، وأي تأخير في اتخاذ القرارات يعني اتساع الفجوة بين الاحتياجات الواقعية والأدوات المتاحة.

من هنا، كان على المصرف المركزي أن يتحرك، حتى لو بشكل أحادي في بعض الملفات، لضمان الحد الأدنى من الاستقرار. فالتأخير في ضبط سوق العملة، أو في مراقبة الاعتمادات، أو في إدارة السيولة، كان سيؤدي إلى نتائج كارثية على المدى القصير.

بين الاستقلالية والمسؤولية المشتركة

مع ذلك، لا يجب أن يُفهم هذا الواقع على أنه تكريس لدور مطلق للمصرف المركزي. فالمسؤولية عن الإصلاح الاقتصادي تبقى مسؤولية جماعية لا يمكن أن ينهض بها طرف واحد. ولعل نجاح الإصلاح يتطلب ثلاثة عناصر مترابطة:
1. التنسيق المؤسسي: بحيث تعمل كل مؤسسة وفق وظيفتها الطبيعية دون تداخل مربك أو تقاعس مُربك أكثر.
2. الشفافية والمساءلة: كشرط أساسي لإعادة الثقة بين المواطن والمؤسسات.
3. رؤية اقتصادية وطنية: تتجاوز الحلول الترقيعية وتضع استراتيجية للتنويع الاقتصادي وإدارة الموارد بكفاءة.

المصرف المركزي بين الإنجاز والتحدي

مصرف ليبيا المركزي، بقدر ما قام بدور إضافي لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، فإنه يظل مؤسسة لها حدود موضوعية لا يمكن تجاوزها إلى ما لا نهاية. ومهما بلغ مستوى كفاءته، فإن أي إصلاح شامل سيبقى رهينًا بقدرة بقية المؤسسات على القيام بدورها الطبيعي.

لكن ما يمكن قوله هو أن المركزي تُوَجَّهُ له الانتقادات وتقع عليه الضغوط، لكنه حافظ على قدر من التوازن جعل الاقتصاد الليبي قادرًا على الصمود حتى الآن. وهذا بحد ذاته إنجاز يُحسب للمؤسسة في بيئة مليئة بالتحديات، ويجب أن يُبنى عليه لا أن يُستهان به.

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

صحيفة صدى الاقتصادية

أضف تعليقـك

2 × 3 =