اقتصاد

“البرغوثي” يكتب: ليبيا والغطاء الذهبي للدينار.. بين الواقع المحلي والتحولات الدولية

كتب أستاذ الاقتصاد السياسي “محمد البرغوثي” مقالاً قال خلاله:

في ظل التحولات العميقة التي يشهدها النظام المالي العالمي، برز الذهب مجددًا كأصل استراتيجي يعيد التوازن إلى ميزان القوى النقدية الدولية. فبعد عقود من هيمنة الدولار الأمريكي كعملة احتياط رئيسية، بدأت دول كبرى مثل الصين وروسيا والهند في تعزيز حيازتها من الذهب وتقليص اعتمادها على الدولار وعملات وحدات السحب الخاصة SDRs التابعة لصندوق النقد الدولي، كرد فعل على التحديات التي تعاني منها العملات الرئيسة كالدولار واليورو والجنيه الإسترليني.

في هذا السياق الدولي المضطرب، تبدو الحالة الليبية استثنائية ولافتة للنظر. إذ تشير البيانات إلى أن ليبيا تمتلك احتياطيات من الذهب تبلغ نحو 146 طنًا، أي ما يعادل قيمته النقدية حوالي 17 مليار دولار وفق الأسعار الدولية الأخيرة (117 مليون دولار تقريبًا للطن عيار 24 أو 999.9). وبمقارنة هذا الرقم مع النقد المصدر والمطبوع (M0)، والمقدر بحوالي 55 مليار دينار ليبي، نجد أن القيمة الكلية للذهب، عند تحويلها بسعر الصرف القائم (5.4 دينار للدولار الواحد تقريبًا)، تساوي حوالي 91 مليار دينار ليبي تقريبًا.

هذا يعني، نظريًا، أن الدينار الليبي يمكن أن يكون مغطى بالكامل بالذهب، مع فائض يتجاوز قيمة النقد المصدر بما يقارب الثلث. وهي ميزة نادرة إذا ما قورنت بدول الجوار أو حتى بعض الدول النفطية الكبرى.

مقارنة إقليمية ودولية

  • شمال إفريقيا:
    • الجزائر تمتلك 174 طنًا (الأكبر إفريقيًا)، لكن قيمة النقد المصدر لديها تفوق الغطاء الذهبي بشكل ملحوظ.
    • مصر تمتلك 126 طنًا، لكنها تواجه عجزًا ماليًا ضخمًا ودينًا خارجيًا يتجاوز 160 مليار دولار، ما يضعف أثر الذهب كغطاء.
    • المغرب لا يتجاوز احتياطها 22 طنًا فقط.
      بالمقارنة، ليبيا في وضع متميز حيث إن غطاءها الذهبي يمكن أن يغطي النقد المصدر بالكامل تقريبًا.
  • الدول العربية:
    • السعودية 323 طنًا، ولبنان 286 طنًا (الأعلى عربيًا)، لكن ظروف كل منهما مختلفة، فالسعودية تعتمد على الصناديق السيادية والاحتياطيات الدولارية، بينما لبنان رغم امتلاكه ذهبًا ضخمًا يعاني من انهيار عملته.
    • الإمارات 74 طنًا فقط، وتعتمد في استقرار عملتها على احتياطيات نقدية واستثمارات ضخمة.
      ليبيا تتفوق نسبيًا من حيث العلاقة بين الغطاء الذهبي والنقد المصدر.
  • إفريقيا جنوب الصحراء:
    • جنوب إفريقيا تمتلك حوالي 125 طنًا.
    • بقية الدول الإفريقية غالبًا أقل من 30 طن ذهب.
      ليبيا ضمن أعلى 3 دول إفريقية من حيث حجم الذهب.

الإشكاليات العملية

رغم قوة هذه المفارقة النظرية، إلا أن الذهب أصل جامد لا يُستخدم مباشرة لتغطية النفقات الجارية أو تمويل الاستيراد، إلا إذا تم بيعه أو رهنه مقابل عملات قابلة للتداول عالميًا. وبالتالي فإن امتلاك ليبيا لهذه التغطية الكاملة لا يُغني عن ضرورة وجود سياسة نقدية ومالية متماسكة، خصوصًا في ظل الاعتماد شبه المطلق على عائدات النفط، واستمرار العجز المالي والإنفاق الحكومي المرتفع، إضافة إلى التحديات المؤسسية المرتبطة بالفساد وضعف الكفاءة.

رسائل طمأنة ونقاط استراتيجية

  • احتياطيات الذهب في ليبيا مستقرة وفي تزايد نسبي مع ارتفاع الأسعار عالميًا.
  • هذا يمنح المصرف المركزي شبكة أمان قوية تعزز الثقة بالدينار.
  • الإعلان المنهجي عن أن النقد المصدر مغطى بالكامل بالذهب يمكن أن يكون أداة قوية في تهدئة التوقعات التضخمية ورفع ثقة الجمهور.
  • بالمقارنة مع دول المنطقة، ليبيا تملك وضعًا مميزًا يجعلها قادرة على تحويل هذه الميزة من “رمزية” إلى ركيزة فعلية لحماية استقرار الدينار.

ما تحتاجه ليبيا اليوم ليس مجرد الإعلان عن امتلاك غطاء ذهبي كامل، بل تحويل هذا الغطاء إلى ركيزة ضمن سياسة اقتصادية شاملة تشمل إصلاح المالية العامة، والإدارة الرشيدة للاحتياطيات، والتنسيق مع بقية المؤسسات الاقتصادية. عندها فقط يمكن لهذه الميزة النادرة أن تتحول من مجرد قيمة رمزية إلى عنصر فاعل في تعزيز الثقة بالدينار واستقراره، بل وحتى إلى نقطة قوة في موقع ليبيا الإقليمي والدولي

يمكن قراءة الخبر من المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

صحيفة صدى الاقتصادية

أضف تعليقـك

1 + 2 =