في ظل التوترات السياسية والأمنية المتزايدة في ليبيا، أذعن عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة منتهية الولاية، لمطالب المجلس البلدي وأعيان مدينة زوارة مقابل إعادة افتتاح معبر رأس اجدير الحدودي، وذلك بعد سلسلة من الاجتماعات التي هدفت إلى مناقشة القضايا الخدمية وأوضاع المعبر الذي يمثل شريانًا حيويًا بين ليبياوتونس. لم تكن هذه الاجتماعات سهلة أو سلسة، إذ واجهت الحكومة اتهامات بالفشل في إدارة المعبر وتجاهل الأطراف المحلية.
ابتدأت الأزمة بتكرار فشل حكومة الدبيبة في إعادة فتح المعبر، حيث كانت تحاول التفاوض مع الجانب التونسي بدلاً من حل الخلافات الداخلية مع الجماعات المحلية في زوارة. وقد أدت هذه السياسات إلى تصعيد التوترات، حيث أغلقت عناصر من بربر زوارة مداخل البلدية ومعبر رأس جدير، معلنين دخولهم في اعتصام مفتوح احتجاجًا على قرارات الحكومة.
تفاقمت الأوضاع عندما أصدر الدبيبة تعليماته للشركة العامة للكهرباء بتوفير المحولات اللازمة لاستقرار الشبكة العامة ببلديات الساحل الغربي. هذه الخطوة كانت تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية، إلا أنها لم تكن كافية لتهدئة الغضب المتزايد في زوارة. وقد أكدت الشركة العامة للكهرباء أن المواد قد تم توريدها وأن أعمال التركيب ستنجز بحلول منتصف يوليو القادم.
في خطوة أخرى تهدف إلى تهدئة الأوضاع، طالب الدبيبة جهاز النهر الصناعي بالسير في مشروعين متوازيين لاستكمال ربط آبار غدامس وآبار بئر ترفاس ببلديات الساحل الغربي، بهدف توفير مياه الشرب قبل نهاية العام الجاري. ورغم هذه الجهود، فإن الأزمة الحقيقية كانت تتعلق بإدارة معبر رأس جدير، والتي تسببت في مشاكل اجتماعية وأمنية حسب تصريحات عضو مجلس النواب ربيعة بوراص.
أوضحت بوراص أن أسلوب إدارة المعبر من قبل عماد الطرابلسي، الذي دعا وسائل الإعلام لتغطية مراسم افتتاحه، كان سببًا رئيسيًا في تفاقم الأوضاع. فمع أن البروتوكول الأمني مع تونس كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ التدريجي، إلا أن هناك مناوشات مستمرة بين العناصر الأمنية في زوارة والإخوة التونسيين منذ اليوم الأول.
من جهته، صرح مصطفى عبد الكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، بأن معبر رأس اجدير سيظل مغلقًا لحين التوصل إلى توافق “ليبي ليبي”. وأشار إلى أن السلطات في طرابلس قد نقلت جميع القيادات الأمنية والجمركية التي كانت تعمل في المعبر وأتت بآخرين تابعين لها، وهو ما ترفضه العناصر الأمنية في زوارة. كما أكد عبد الكبير أن الحكومة الليبية فشلت في إحداث توافق أمني مع زوارة.
تزامنًا مع هذه الأحداث، قامت مجموعة من منتسبي الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية بإغلاق الطريق الساحلي أمام مجمع مليتة للغاز احتجاجًا على عدم صرف مرتباتهم منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف. وفي بيانهم، طالبوا الحكومة بالتدخل الفوري لحل مشكلاتهم المالية.
في ضوء هذه التطورات، أصدر المعتصمون في زوارة بيانًا يهددون فيه بإلغاء الاعتراف بحكومة الدبيبة ويتهمونها بالعنصرية والحقد العرقي والطائفي ضد الأمازيغ. وشددوا على أنهم سيواصلون اعتصامهم وإغلاق مداخل البلدية ومعبر رأس جدير حتى تلبية مطالبهم.
لم تكن هذه الأحداث إلا انعكاسًا للتوترات العميقة التي تعصف بليبيا، حيث تتصارع الحكومة والجماعات المحلية على السيطرة والنفوذ. ورغم محاولات الدبيبة لتهدئة الأوضاع، فإن الحلول المؤقتة والإجراءات الجزئية لم تكن كافية لمعالجة جذور الأزمة. ومن هنا، فإن الطريق نحو الاستقرار يتطلب حوارًا حقيقيًا وشاملاً بين جميع الأطراف لضمان تحقيق توافق دائم يمكن من خلاله إعادة فتح معبر رأس جدير وتوفير الخدمات الأساسية لسكان المنطقة.