في يومٍ تزامن مع اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، هزت مدينة طبرق حادثة مأساوية تُعيد طرح أسئلة مؤلمة عن العنف الأسري وحقوق الأطفال. إنها قصة الطفلة أسيل طارق المبروك، البالغة من العمر ستة أعوام، التي لاقت حتفها بعد تعذيب وحشي استمر لفترة طويلة على يد زوجة والدها ووالدها.
وفقاً لمصادر مقربة من الأسرة، فإن التعذيب الذي تعرضت له أسيل لم يكن حادثة منفردة، بل كان جزءًا من نمط ممنهج من العنف تمارسه زوجة الأب على أطفال زوجها. كانت الزوجة الثالثة للأب تستغل ضعف هؤلاء الأطفال، مستخدمة التهديد والعنف لإسكاتهم وترهيبهم، ما جعل من حياتهم جحيمًا مستمرًا. هذه الزوجة، التي استغلت وفاة الزوجة الأولى وانفصال الأب عن الزوجة الثانية، فرضت سيطرتها الكاملة على الأسرة، وجعلت من الأطفال ضحايا لتعذيبها الممنهج.
ورغم التقرير الطبي الذي أكد تعرض الطفلة لضرب مبرح، وكدمات وكسور متعددة، واختناق أدى لنقص في الأكسجين وصدمتها العصبية التي أودت بحياتها، لم تتحرك السلطات الأمنية بشكل حاسم. اكتفت باستدعاء الأب وزوجته لأخذ أقوالهم، مما أثار موجة من الغضب والقلق حول إمكانية إفلات الجناة من العقاب تحت غطاء الحماية الاجتماعية التي يتمتعون بها. إن عدم التحرك الجاد من قبل السلطات يعكس قصورًا خطيرًا في نظام العدالة، ويضع علامات استفهام حول مدى الالتزام بحماية حقوق الأطفال ومحاسبة الجناة.
في خضم هذه المأساة، برزت الباحثة في شؤون الأمن والهجرة، د. ريم البركي، كصوت صريح وقوي، مُعبرة عن الغضب الشعبي ومطالبة بالعدالة. قالت د. ريم البركي في منشور لها عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” رصدتها “أخبار ليبيا 24” “أتمنى أن تصبح قضية الطفلة أسيل قضية رأي عام، وألا يتدخل فيها العُرف أبداً. يجب أن تُعدم زوجة الب المجرمة ويُسجن الأب بتهمة الإهمال لمدة عشرين عامًا.”
وأضافت: “ليس من أجل أسيل فقط، فقد رحلت ولا تهتم بأمرنا الآن، ولكن من أجلنا نحن، من أجل أطفالنا. إذا تدخل العُرف في هذه الجريمة، فإننا بذلك نشرع (قانونيًا) قتل أطفالنا واغتصابهم واستغلالهم نفسيًا وجنسياً.”
وتابعت د. ريم: “أطالب المجتمع، الذي يبدو مسلوب الإرادة، أن يقف مرة واحدة فقط لنفسه، لأطفاله، لمستقبله. لا يمكن أن نستمر في السماح لهؤلاء الجناة بالاختباء خلف العُرف الاجتماعي.”
مأساة أسيل.. جريمة تعذيب تهز طبرق وتُطالب بالعدالة
ما تعرضت له أسيل ليس مجرد حادثة وفاة لطفلة، بل هو رمز لمعاناة مستمرة للأطفال في مجتمعنا. الكدمات والكسور وآثار الحروق التي وجدت على جسدها تشير إلى فترات طويلة من التعذيب الجسدي والنفسي. هذه الطفلة البريئة عاشت في رعب دائم، بدون أي أمل في الخلاص.
إن الحادثة المروعة التي تعرضت لها أسيل تكشف عن واقع قاتم يعيشه العديد من الأطفال في مجتمعاتنا، حيث يصبحون ضحايا للعنف الأسري دون أي حماية أو إنصاف. إن قصتها تدعو إلى مراجعة جذرية للقوانين والسياسات المتعلقة بحماية الأطفال، وتؤكد الحاجة الملحة إلى تفعيل آليات قوية لمحاسبة الجناة ومنع تكرار مثل هذه الجرائم.
إن مأساة أسيل تكشف عن واقع مظلم يعيشه إخوتها، إسراء طارق المبروك والمبروك طارق المبروك، الذين لا يزالون يتعرضون لنفس العنف والتعذيب. يعيش هؤلاء الأطفال تحت رحمة الجانية زوجة والدهم، في ظل صمت وتواطؤ مجتمع يخشى مواجهة الحقيقة. هؤلاء الأطفال هم الآن في حالة من الخوف والرعب المستمر، لا يعرفون متى ينتهي هذا الكابوس، ولا يجدون من يحميهم أو ينقذهم من هذا الجحيم الذي يعيشون فيه.
وفاة أسيل يجب أن تكون جرس إنذار يدفعنا للتحرك. يجب أن نطالب بالعدالة، لا مجرد الكلمات الفارغة. يجب أن تُحاسب زوجة الأب والأب بصرامة، لتكون قضيتهم عبرة لكل من تسوّل له نفسه ممارسة العنف ضد الأطفال. إن حماية الأطفال واجب إنساني وديني لا يقبل المساومة.
القوانين والتشريعات يجب أن تكون صارمة وواضحة في محاسبة الجناة، وأن تضمن عدم تكرار مثل هذه الجرائم. إن دور المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية أساسي في رفع الوعي والمطالبة بالتغيير، لتكون حماية الأطفال أولوية قصوى في كل الأوقات.
إن قضية أسيل طارق المبروك يجب أن تكون نقطة تحول في مجتمعنا. يجب أن تكون بداية لثورة اجتماعية وقانونية ضد العنف الأسري. لن يهدأ لنا بال حتى نضمن أن أطفالنا محميون من أي نوع من أنواع العنف. إن صرخات أسيل يجب أن تُسمع، ويجب أن تكون حافزًا لتغيير جذري في قوانيننا وممارساتنا الاجتماعية. لنقف معًا من أجل أطفالنا، من أجل مستقبلهم، ومن أجل عدالة لا تعرف التهاون.
مأساة أسيل يجب أن تكون نقطة انطلاق لحركة مجتمعية تُطالب بالعدالة والإصلاح. يجب أن نتحد جميعًا، أفرادًا ومؤسسات، لضمان حماية الأطفال من أي نوع من أنواع العنف. إن صرخات أسيل هي نداء لكل ضمير حي، لتكون حافزًا لتغيير جذري يحمي الأطفال ويصون حقوقهم.