حالة التعليم وتدمير مستقبل الوطن.. رؤية تحليلية
شهد قطاع التعليم في ليبيا مؤخرًا أزمة جديدة تضاف إلى قائمة الأزمات المتراكمة التي تهدد مستقبل البلاد. استقالة مدير المركز الوطني للامتحانات احتجاجًا على الغش الذي حصل في إجراء الامتحانات، لم تكن مجرد حادثة عرضية بل مؤشرًا واضحًا على الفشل الذريع الذي تعاني منه وزارة التعليم. هذا الفشل، كما يرى الدبلوماسي السابق رمضان البحباح، لا يمكن تبريره أو التغاضي عنه، بل يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية لإصلاح الوضع.
في تحليله للوضع، يشير البحباح إلى أن الغش في الامتحانات يمثل خيانة كبرى لمستقبل الوطن. فالأبناء الذين يعتمد عليهم الوطن ليكونوا قادة المستقبل، يجب أن يتلقوا تعليمًا نزيهًا وعادلًا. أي تلاعب في هذا الجانب يعد جريمة في حق الأجيال القادمة، ويعزز من الفساد والانهيار في المجتمع.
واستقالة مدير المركز الوطني للامتحانات تأتي كصرخة احتجاج قوية ضد هذا الفساد. فهي دعوة مفتوحة لإعادة النظر في أداء وزارة التعليم ومسؤوليها، الذين أثبتوا عجزهم عن حماية نزاهة الامتحانات وضمان بيئة تعليمية سليمة. وكما يوضح البحباح، فإن إعادة الامتحانات في المناطق التي ثبت بها الغش باتت ضرورة ملحة، ليس فقط لتحقيق العدالة، ولكن أيضًا لإعادة الثقة في النظام التعليمي.
لكن القضية ليست مجرد إعادة امتحانات ومعاقبة المتورطين. إنها تتعلق بمستقبل وطن بأكمله. التعليم هو الأساس الذي يقوم عليه أي مجتمع متقدم. عندما يتم تدمير هذا القطاع، فإنه يدفع البلاد نحو الانهيار والجهل. الوطن الذي لا يستطيع مواكبة التحولات العالمية السريعة، سيظل عالقًا في الماضي، متخلفًا عن ركب الحضارة.
يرى البحباح أن تدمير قطاع التعليم هو جزء من استراتيجية أعداء الوطن. فالجهل والتخلف هما أسلحة فتاكة تستخدمها القوى المعادية لإضعاف الأمم وتدمير حضاراتها. فعندما يصبح أبناء الوطن مجموعة من الجهلة غير القادرين على التفكير النقدي والإبداع، يسهل احتلالهم والسيطرة عليهم. وهكذا يتحول المجتمع تدريجيًا إلى قطيع يتبع دون وعي، ما ينشر الصراعات والتدمير الداخلي.
وفي هذا السياق، تصبح حماية التعليم ونزاهته من أولويات الأمن القومي. يجب على الدولة أن تتخذ خطوات جادة لحماية هذا القطاع الحيوي. من الضروري إعادة بناء النظام التعليمي على أسس قوية من النزاهة والشفافية، ومعاقبة كل من يحاول العبث بمستقبل الأجيال القادمة.
الإجراءات الفورية يجب أن تشمل إعادة الامتحانات في المناطق المتضررة، وتطبيق أقصى العقوبات على كل من تورط في عمليات الغش، سواء كانوا طلابًا أو موظفين أو مسؤولين. كما يجب أن تعمل الدولة على تطوير سياسات تعليمية تضمن جودة التعليم ونزاهته، وتوفير بيئة تعليمية تشجع على الابتكار والتفكير النقدي.
إن أزمة التعليم الحالية في ليبيا، كما يراها رمضان البحباح، هي جزء من أزمة أكبر تعاني منها البلاد. لكنها في نفس الوقت فرصة لإجراء تغييرات جذرية وإصلاحات حقيقية. الوطن الذي يحمي تعليم أبنائه، هو وطن يحمي مستقبله ويعزز من قدرته على مواجهة التحديات والازدهار. التعليم ليس مجرد قضية داخلية، بل هو جزء من الأمن القومي والقدرة على الصمود في وجه الأزمات والتحديات.
في النهاية، يبقى الأمل في أن تكون هذه الأزمة نقطة تحول نحو مستقبل أفضل. مستقبل يكون فيه التعليم أداة لبناء جيل واعي، قادر على قيادة الوطن نحو التقدم والازدهار. وكما يقول البحباح، فإن مستقبل أبنائنا الذين هم مستقبل الوطن يجب أن يكون ضمن الأشياء التي لا يمكن العبث بها، لأنها خيانة كبرى في حق الوطن، وخيانة لا تغتفر.
الخلاصة، إن حماية نزاهة التعليم وإصلاح النظام التعليمي هي مسؤولية جماعية. إنها مهمة تقع على عاتق الجميع، من الحكومة إلى الأفراد. فالوطن الذي يقدر التعليم ويحميه هو وطن يحمي مستقبله، ويبني حضارة تليق به.