يشهد المشهد الليبي حالة من التناقضات والتضارب في التصريحات والبيانات، ولعل أبرز ما يعكس هذه الحالة هو بيان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الأخير بشأن اجتماع القاهرة بين أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة. الدبلوماسي السابق حسن الصغير، وكيل وزارة الخارجية الأسبق، أثار العديد من النقاط المثيرة للجدل حول هذا البيان ومخرجات الاجتماع.
الصغير في عدة منشورات له عبر صفحته على “فيسبوك” رصدته “أخبار ليبيا 24”، يرى أن البعثة الأممية تتلاعب بالكلمات وتتناقض في مواقفها، حيث يبدأ البيان بالتأكيد على ضرورة أن تكون العملية بملكية وقيادة الليبيين، لكنه في نهايته يشير إلى أن البعثة ستواصل عملها وفق التفويض الممنوح لها للوصول إلى الاتفاق الذي تحتاجه ليبيا. هذا التناقض الواضح يعكس، بحسب الصغير، عدم التزام البعثة بما يتوصل إليه الليبيون بأنفسهم، بل بما تراه هي ومن خلفها القوى الكبرى مناسبًا.
الصغير لم يكتفِ بنقد البعثة الأممية فقط، بل وجه سهام نقده أيضًا إلى الاجتماعات الدولية التي تُعقد حول الأزمة الليبية، وآخرها اجتماع القاهرة بين النواب والدولة. يرى الصغير أن هذه الاجتماعات ليست سوى إيحاءات كاذبة للجدية في التغيير، مشيرًا إلى أن لا تغيير حقيقي سيحدث لا الآن ولا بعد سنة. هذه اللقاءات، وفقًا للصغير، هي محاولات دولية لإيهام الليبيين بجديتهم في التغيير، بينما الواقع يشير إلى عكس ذلك تمامًا.
الأولوية الحالية للغرب، كما يقول الصغير، هي تشكيل حزب يواجه التواجد الأجنبي في إفريقيا، وهي أولوية يرى الصغير أنه يتفق معها بشرط ألا تكون انتقائية فيما يتعلق بالتواجد الأجنبي في ليبيا أو إفريقيا بشكل عام. يعتبر الصغير أن إخراج كل القوى الأجنبية من ليبيا وأفريقيا هو مطلب حقيقي وعادل ومشروع واستراتيجي، وأنه لا يمكن التمييز بين التواجد الأجنبي المختلف.
ليبيا، من وجهة نظر الصغير، تحتاج إلى إبقاء الوضع السياسي والسلطوي على ما هو عليه وعدم القبول بالتغييرات السطحية والشكلية التي أثبتت مرارًا عدم جدواها. الصغير يؤكد على ضرورة تغيير المعادلات الثلاث في طرابلس لتحقيق تغيير حقيقي وجاد. هذه المعادلات تشمل القوى المهيمنة على العاصمة والتي طالما استفادت من استمرار الوضع الراهن.
الصغير يشير أيضًا إلى أن المستفيدين من الوضع الحالي لم يعودوا فقط النواب والدولة وسلطات طرابلس المتعاقبة، بل هناك مستفيد جديد وهما إقليم برقة وفزان وسكانهما على المدى القصير والمتوسط. الصغير يرى نفسه معنيًا أيضًا بهذه الاستفادة المباشرة، ويعرب عن رفضه لأي تغيير يعيد لعصابات طرابلس قوتها وجبروتها واحتكارها لكل شيء وحرمان بقية الأقاليم من حقوقها.
في النهاية، الصغير يعترف بأن مواقفه وآراءه قد لا تعجب الكثيرين، لكنه يؤكد أن هذا هو موقفه الثابت وأنه لن يتنازل عنه. الأزمة الليبية، من وجهة نظره، لا يمكن حلها بتدخلات خارجية تتناقض مع إرادة الليبيين، ولا بتغييرات سطحية لا تمس جوهر المشكلة. الحل الحقيقي يتطلب تغييرات جذرية في هيكلية السلطة والعلاقات بين الأقاليم المختلفة، والاعتراف بحقوق جميع الليبيين دون تمييز أو استثناء.