جنزور، إحدى المدن الساحلية ذات التاريخ العريق، تجد نفسها الآن في خضم صراع جديد، هذه المرة ليس مع غزو أجنبي بل مع قرار حكومي يهدد بتحويل جزء من أراضيها إلى مقر للسفارة الأمريكية. القرار الذي اعتبره الكثيرون بمثابة خطوة نحو تحويل المنطقة إلى “منطقة خضراء” على غرار ما حدث في العراق، أثار موجة من الغضب والاحتجاج بين سكان المدينة.
منسق مجلس حكماء جنزور: “الأرض المقترحة للسفارة الأمريكية قد تصبح قاعدة عسكرية”
منسق المكتب الإعلامي لمجلس حكماء وأعيان جنزور، معاذ أبو جعفر، كان في طليعة المتحدثين ضد هذا القرار. في تصريحاته الصحفية، أكد أبو جعفر أن تخصيص مساحة 2 هكتار على البحر للسفارة الأمريكية لا يمكن اعتباره إلا خطوة نحو تحويلها إلى قاعدة عسكرية مقنعة. وأشار إلى أن الأمريكيين أنفسهم طالبوا الطاهر السني، مبعوث ليبيا لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة، بدفع الإيجار أو مغادرة مقر السفارة الليبية هناك، متسائلًا عن العدالة في التعامل بين البلدين.
تصعيد الموقف لم يكن محصورًا في التصريحات الإعلامية فقط، بل اتخذ طابعًا قانونيًا وشعبيًا. أعضاء مجلسي الدولة والنواب بمدينة جنزور أعدوا مذكرة رسمية وجهوها إلى رئيس مجلس النواب لمنع تخصيص الأرض للسفارة الأمريكية. وفي الوقت نفسه، بدأ الأهالي في الاستعداد للخروج في مظاهرات تعبيرًا عن رفضهم لهذا القرار.
مخاوف من تكرار سيناريو “المنطقة الخضراء” في جنزور بسبب القيود الأمنية
القلق من تحويل المنطقة إلى “منطقة خضراء” كان حاضرًا بقوة في تصريحات أبو جعفر، حيث أكد أن التجارب السابقة مع السفارات والقرى السياحية كشفت عن أن السلبيات تفوق الإيجابيات. المنطقة التي شهدت أكبر المعارك ضد الغزو، باتت الآن مهددة بفقدان طابعها التاريخي ورمزيتها لصالح استثمارات أجنبية لا تعود بالنفع على السكان المحليين.
الشواطئ التي كانت في السابق متاحة للجميع، أصبحت الآن مخصصة لفئات معينة فقط، حيث لا يمكن لأغلب المواطنين دخولها بسبب تكاليفها الباهظة. الأراضي التي تعتبر ملكية عامة للدولة الليبية، تم تحويلها إلى مشاريع استثمارية وسفارات، مما جعل السكان يشعرون بأنهم أصبحوا غرباء في مدينتهم.
قرية أويا المخصصة للأمم المتحدة مثال آخر على التأثير السلبي لهذه المشاريع. القيود الأمنية والحراسات المفروضة حولها أدت إلى إغلاق الطريق الرئيسي البحري، مما زاد من معاناة السكان. أبو جعفر أكد أن جنزور لم تستفد من هذه الاستثمارات، بل على العكس، عادت بالضرر على البلدية بسبب القيود الأمنية المفروضة.
الأهالي يستعدون للتظاهر ضد تخصيص أراض للسفارات على شواطئ جنزور
وفي ظل هذا الوضع المتأزم، يصر أهالي جنزور على التمسك بحقهم القانوني والدفاع عن أراضيهم. إذا استمرت الحكومة في مشروعها، فإنهم مستمرون في التظاهر والتصعيد حتى يتم العدول عن هذا القرار.
تصريحات أبو جعفر تعكس شعورًا عامًا بالظلم والإحباط بين سكان المدينة، الذين يشعرون بأنهم يتم التضحية بمصالحهم لصالح قوى أجنبية. في الوقت الذي تحتاج فيه ليبيا إلى استثمارات حقيقية تعود بالنفع على السكان المحليين، يبدو أن القرارات الحكومية تذهب في اتجاه معاكس، مما يزيد من حالة الاستياء والغضب الشعبي.
الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير هذا المشروع، وما إذا كانت الحكومة ستستجيب لمطالب السكان أو ستصر على تنفيذ قرارها رغم كل الاعتراضات. وفي كل الأحوال، يبقى الأمل معقودًا على أن يتم إيجاد حل يحقق التوازن بين المصالح الوطنية ومتطلبات الاستثمارات الأجنبية، دون أن يكون ذلك على حساب حقوق السكان المحليين وتاريخهم العريق.