في ظل التطورات السياسية المتسارعة التي تشهدها ليبيا، برزت تصريحات لافتة للنظر من قبل عبد السلام نصية، عضو مجلس النواب. في منشور له عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ورصدته “أخبار ليبيا 24” أثار نصية قضية تكرار نفس الأسماء في الترشيحات للمناصب القيادية، بدءًا من رئاسة الحكومة وصولاً إلى المناصب السيادية والبلدية.
نفس الوجوه، نفس الطموحات: هل يكفي هذا لإدارة البلاد؟
يشير نصية بوضوح إلى أن هذه الأسماء التي تقدمت لمنصب رئيس الدولة في 2021 هي نفسها التي تتقدم اليوم لمنصب رئيس الحكومة، ومن المتوقع أن تتكرر في الترشيحات لرؤساء القوائم الانتخابية في البلديات. في هذا السياق، يطرح نصية تساؤلاً جوهريًا حول مدى قبول الشخص المتقدم لمنصب رئيس الدولة بأن يشغل منصب رئيس حكومة أو عميد بلدية، مشيرًا إلى أن لكل منصب متطلبات وقدرات خاصة لا يمكن لشخص واحد أن يتقنها جميعًا.
هذا الانتقاد اللاذع يعكس قلقًا عميقًا بشأن الاستهتار بالمناصب القيادية في ليبيا، وما قد ينجم عنه من فوضى وتأخر في بناء المؤسسات وإهدار المال العام. فحسب نصية، الترشح لهذه المناصب يجب أن يكون مبنيًا على الكفاءة والقدرة على تقديم برامج واقعية وفعالة لإدارة البلاد، وليس مجرد بحث عن منصب وجاه.
ماذا يحدث عندما يتكرر نفس المرشحين للمناصب القيادية؟
في ظل هذا الواقع، يثير نصية قضية غياب البرامج الانتخابية للمرشحين، الذين يكتفون بطرح خطوط عريضة غير واقعية، تشبه إلى حد كبير تقديم وجبة دسمة لمريض في غرفة الإنعاش. هذه الخطوط العريضة، وفقًا لنصية، هي مجرد أحلام وأماني لا تستند إلى أي آليات أو خطط واقعية لتنفيذها.
ومن بين النقاط المثيرة التي طرحها نصية هو تأثير الدخل الريعي الناتج عن بيع النفط على توجهات المرشحين. فالدخل الريعي الذي يدخل البلاد يوميًا من بيع النفط، يجعل من السهل توزيع الثروات في هيئة صريرات أو مشاريع على شركات الوزراء والحاشية والتشكيلات المسلحة. هذا الأمر يطرح تساؤلاً حول ما إذا كان هؤلاء المرشحون سيستمرون في التقدم للمناصب إذا قرر الليبيون تحويل كل إيرادات النفط إلى صندوق سيادي وإدارة الإيرادات بشكل أكثر شفافية وكفاءة.
من وجهة نظر نصية، هذه الأفكار قد تبدو جنونية، لكن ربما تكمن في الجنون حكمة تحتاج ليبيا إلى استكشافها. فالبلاد تعيش ظرفًا خطيرًا وحساسًا يتطلب حلولًا غير تقليدية، تعتمد على الفكر الجريء والإبداعي.
إن الانتقادات التي وجهها نصية تعكس حاجة ملحة لإعادة النظر في طريقة اختيار المرشحين للمناصب القيادية في ليبيا، بعيدًا عن الاعتبارات الشخصية والبحث عن المناصب. فالمرحلة القادمة تتطلب قيادات قادرة على تقديم رؤية واقعية وبرامج فعالة تعيد بناء الدولة وتنهض بمؤسساتها.
في خضم هذه التحولات، يبقى السؤال الأهم: هل سيستجيب المرشحون لهذه الانتقادات ويبدؤون بتقديم برامج واقعية، أم سيستمرون في تقديم أنفسهم كمرشحين يبحثون عن المناصب دون النظر إلى مصلحة البلاد؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة على هذا السؤال، لكن الأكيد هو أن ليبيا تحتاج إلى قيادات تتمتع بالكفاءة والقدرة على تحقيق التغيير المنشود.