تتجه الأنظار إلى مدينة الكفرة، التي باتت محط اهتمام دولي ومحلي بسبب الأوضاع المزرية التي يعاني منها آلاف المهاجريين السودانيين الفارين من جحيم الحرب في وطنهم. ومع استمرار الصراع الدامي في السودان، تجد الكفرة نفسها أمام موجات نزوح لا تنتهي، لتستقبل أكثر من 96 ألف مهاجر حتى الآن، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، وسط توقعات بزيادة العدد خلال الأشهر المقبلة.
موجات نزوح جديدة متوقعة مع تحسن الطقس
يقف عميد بلدية الكفرة، عبد الرحمن يعقوب، في قلب هذه الأزمة، محذراً من كارثة تلوح في الأفق. ومع ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف، بات التنقل عبر الصحراء الليبية الوعرة تحدياً يستنزف طاقات المهجرين ويعصف بأرواحهم. لكن شهر سبتمبر وأكتوبر القادمين يحملان في طياتهما مفاجأة مرعبة، إذ يُتوقع أن يشهد هذان الشهران موجات نزوح أكبر مع اعتدال المناخ، ما يضع المدينة أمام اختبار جديد لقدرتها على التحمل.
تحذيرات من كارثة بيئية وصحية في مخيمات المهجرين
تأتي هذه التحذيرات في وقت تعاني فيه الكفرة من نقص حاد في الإمكانيات التي لا تتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية التي تواجهها. ويصف يعقوب الوضع الحالي بالمأساوي، مشيراً إلى أن الخدمات الصحية في المدينة تكاد تكون عاجزة عن تلبية احتياجات المهجرين، ما يفاقم معاناتهم يوماً بعد يوم.
وفي ضوء هذا الواقع المرير، يشدد مكتب شؤون الإصحاح البيئي في بلدية الكفرة على أن الوضع في مخيمات المهجرين كارثي بكل المقاييس. فالمخيمات تعاني من نقص شديد في النظافة والتهوية، إضافة إلى تكدس القمامة والمخلفات البشرية، مما يجعل هذه المناطق مرتعاً خصباً لانتشار الأمراض والأوبئة. التحذيرات من انتشار واسع للأمراض أصبحت حديث الساعة، خاصة في ظل الظروف الصحية المتدهورة بالفعل.
تحديات صعبة تواجه السلطات المحلية وسط ضعف الإمكانيات
أمام هذه التحديات، تبدو الاستجابة الدولية والمحلية أقل بكثير مما هو مطلوب. حكومة الدبيبة منتهية الولاية اكتفت بدعوة المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم العاجل، مشيرة إلى أن الأزمة تتجاوز حدود ليبيا لتصبح أزمة إقليمية. وقد توجهت فرق من وزارة الصحة ومركز مكافحة الأمراض إلى الكفرة لتقييم الوضع الصحي وإطلاق حملات تحصين وفحص، لكن هذه الجهود تبقى غير كافية في ظل الأعداد الكبيرة للمهجرين.
ويقول الناشط في مجال الإغاثة، أنور الزوي، إن الدعم الذي وصل حتى الآن لا يرقى لمستوى التحديات التي تواجهها المدينة. فالمنظمات الدولية، رغم وعودها المتكررة، لم تقدم إلا القليل من الدعم، الذي لا يشمل الجوانب الصحية الأكثر إلحاحاً مثل الأدوية والكوادر الطبية.
الدعم الدولي: بين الوعود والواقع المخيب
الانقسام السياسي في ليبيا يزيد الأمور تعقيداً. فـ حكومة الدبيبة منتهية الولاية تحججت بوجود الحكومة الليبية برئاسة أسامة حماد لعدم صرف ميزانية طوارئ للكفرة، النتيجة هي أن البلدية لم تحصل إلا على 300 ألف دينار ليبي، وهو مبلغ زهيد جداً مقارنة بحجم الأزمة.
في ظل هذه الظروف، تبقى الكفرة على حافة الكارثة. يعقوب يشير في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24”، إلى أن المدينة لن تكون قادرة على استيعاب أكثر من 500 نازح يومياً وإخضاعهم للفحوصات الصحية اللازمة، في وقت يتقدم فيه أكثر من 4000 نازح للفحص يومياً. ويضيف أن انتشار الأمراض وتفشيها بشكل واسع قد يكون هو التحدي الأكبر في المستقبل القريب، خاصة مع استمرار تزايد أعداد النازحين.
وفيما تبدو الأرقام الرسمية لأعداد النازحين غير دقيقة بسبب استمرار تدفقهم على المدينة، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أن الأزمة تتفاقم يوماً بعد يوم. ومع استمرار ضعف الدعم الدولي والمحلي، تبقى المخاطر الصحية والبيئية تهدد حياة آلاف المهجرين، وتضع مدينة الكفرة أمام اختبار صعب لقدرتها على الصمود في وجه هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة.