تعيش ليبيا اليوم واحدة من أصعب الفترات في تاريخها الحديث، حيث تتشابك الخيوط السياسية والاقتصادية بشكل يعكس عمق الأزمة التي تعاني منها البلاد. فمن ناحية، نجد الخلافات السياسية التي تعصف بمجلس النواب و المجلس الرئاسي، ومن ناحية أخرى، تتفاقم الأزمة الاقتصادية نتيجة تجميد الإيرادات النفطية، مما يهدد بانهيار شامل للاقتصاد الليبي. في هذا السياق، برزت تصريحات العديد من المسؤولين والنواب لتلقي الضوء على زوايا مختلفة من الأزمة، مقدمة رؤى متنوعة لحل المعضلة التي تبدو في تصاعد مستمر.
النفط في قلب الصراع
بدأت الأزمة مع إعلان الحكومة الليبية، برئاسة أسامة حمّاد، حالة “القوة القاهرة” على الحقول والموانئ النفطية، وهو ما أيده رئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب، عيسى العريبي، معتبرًا أن هذا الإعلان يأتي كرد فعل طبيعي على الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الرئاسي. العريبي يرى أن الخطوات التي قام بها الرئاسي تفتقر للشرعية القانونية، مما يعرض استقرار الدولة للخطر. هذه الخطوة تعكس عمق التوترات بين الأطراف السياسية في ليبيا، وتلقي بظلالها على مستقبل القطاع النفطي، الذي يُعد شريان الحياة للاقتصاد الليبي.
تداعيات اقتصادية خطيرة
وفي الوقت الذي يتفق فيه الجميع على أهمية الحفاظ على استقرار المؤسسات الاقتصادية، حذر عبد النبي عبد المولى، عضو مجلس النواب، من أن اقتحام مقر مصرف ليبيا المركزي بالقوة سيؤدي إلى كوارث كبرى، خاصة بعد إيقاف جميع التعاملات المصرفية. يشير عبد المولى في تصريحات صحفية رصدتها “أخبار ليبيا 24″، إلى أن تجميد تصدير النفط، نتيجة للظروف الراهنة، قد يفاقم الوضع الاقتصادي الذي يسير من سيء إلى أسوأ. والأخطر من ذلك، كما يحذر، هو أن توقف وزارة الخزانة الأمريكية التعاملات بالدولار مع المصارف الليبية، مما سيضع الاقتصاد الليبي على حافة الانهيار.
دفاع عن استقرار المركزي
في خضم هذه الأحداث، يجد الصديق الكبير، محافظ المصرف المركزي، نفسه في عين العاصفة. علي التكبالي، عضو مجلس النواب، يعلن عن دعمه لبقاء الكبير في منصبه، ليس لشخصه، ولكن حفاظًا على استقرار ليبيا التي تعيش حالة من الانقسام والتوترات. التكبالي يرى أن رحيل الكبير في هذه الظروف قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، مشيرًا إلى أن المجلس الرئاسي “مجلس غبي” جاء نتيجة توافق سياسي، ولم يعد له دور حقيقي في تحقيق الاستقرار -على حد وصفه – .
الاستقواء بالخارج: أزمة ثقة داخلية؟
بينما يدافع البعض عن القرارات الداخلية، يوجه أسعد زهيو، رئيس الهيئة التأسيسية لحزب التجمع الوطني، انتقادات لاذعة للصديق الكبير بسبب توجيهه رسالة إلى السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند، واصفًا إياها بـ”المخجلة”. زهيو يرى أن هذا التصرف يعكس ضعفًا في الإدارة، ويشكك في قدرة الكبير على قيادة المصرف في هذه المرحلة الحساسة. هذه الانتقادات تأتي في سياق تحذيرات من استقواء بعض الأطراف بالخارج، مما يهدد السيادة الوطنية ويدفع البلاد نحو مزيد من الفوضى.
قرارات باطلة وصراع على السلطة
وفيما يتعلق بمسألة تعيين مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي، يرى المحلل الاقتصادي مختار الجديد أن القرار الصادر عن المجلس الرئاسي بتعيين محافظ جديد باطل من الناحية القانونية، وأن “البلطجة لا يمكن أن ترسخ أمر واقع”. الجديد يؤكد أن تعيين محافظ للمصرف المركزي هو اختصاص أصيل للسلطة التشريعية، وأن محاولات المجلس الرئاسي لتجاوز هذا الاختصاص تعكس حالة من الفوضى والتخبط في إدارة الشأن العام.
الدعوة للسيادة الوطنية والحفاظ على الاستقرار
في هذه الأجواء المتوترة، يأتي صوت مصباح دومة، النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، ليؤكد على ضرورة الحفاظ على السيادة الوطنية والدفاع عنها بكل ما أوتي من قوة. دومة يحذر من “اغتصاب الاختصاصات الدستورية والقانونية” ويدعو لمواجهة كافة التحديات للحفاظ على ما تبقى من سيادة الدولة.
العودة إلى المربع الأول؟
محمد شوبار، الناطق باسم مبادرة القوى الوطنية الليبية، يرى أن تكليف عبد الحميد الدبيبة لشخصية ميليشياوية لتسيير جهاز “الدعم والإسناد الأمني” يعكس إصرار الحكومة على الاحتماء بالميليشيات، مما قد يؤدي إلى انفلات أمني خطير في العاصمة طرابلس. هذه التصريحات تعكس قلقًا متزايدًا من تدهور الوضع الأمني والسياسي، وإمكانية العودة إلى المربع الأول في الأزمة الليبية.
الترتيبات الأمنية والمخرج من الأزمة
على الجانب الآخر، يحاول زياد دغيم، مستشار رئيس المجلس الرئاسي للشؤون التشريعية والانتخابات، تقديم رؤيته للخروج من الأزمة. دغيم يدعو لتفعيل قرار مجلس النواب بشأن تعيين محافظ للمصرف المركزي، ويشدد على ضرورة عقد جلسة مشتركة بين مجلسي النواب والدولة لانتخاب محافظ جديد، حتى لو كان الصديق الكبير نفسه، وإنهاء الأزمة المستمرة منذ تسع سنوات.
دعوة للنهوض ومواجهة الفساد
في ختام التصريحات، يدعو سعد بن شرادة، عضو مجلس الدولة، الشعب الليبي للنهوض ومواجهة التحديات، مستشهدًا بكلمات الشاعر عبد الجليل سيف النصر. من جانبه، يوجه جاب الله الشيباني انتقادات للمجلس الرئاسي لتحوله من داعم للاستقرار إلى مهدد لكيان الدولة، محذرًا من تجميد الأرصدة الليبية والتدخل الخارجي.
الخاتمة: هل من مخرج؟
الأزمة الليبية تتعمق يومًا بعد يوم، وسط تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية. وبينما تتباين الآراء حول الحلول الممكنة، يبقى الأمل معقودًا على توافق داخلي يعيد الاستقرار إلى البلاد. يتطلب الأمر من جميع الأطراف التحلي بالحكمة والمسؤولية، والنظر إلى مصلحة الوطن قبل أي شيء آخر، حتى لا تغرق ليبيا في دوامة لا نهاية لها من الفوضى والاضطراب.