الجديد: بين النقد العميق والواقعية الاقتصادية تحديات المصرف المركزي تحت المجهر
في ظلّ الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها ليبيا، يطلّ علينا الخبير الاقتصادي مختار الجديد بانتقادات حادة ومباشرة لسياسات المصرف المركزي ومجلس إدارته الجديد، موجّهًا سهامه تجاه ما يعتبره قرارات بائسة وحلولاً سطحية لا ترقى لمستوى التحديات الاقتصادية الكبرى التي تواجه البلاد. لم يتردد الجديد في تفنيد ما يراه من أخطاء وتجاوزات فادحة، مشددًا على أن الحلول المطروحة من قبل مجلس الإدارة المعين حديثًا تفتقر إلى البصيرة والجدية.
منذ أن صدر قرار تعيين مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي من قبل المجلس الرئاسي، يتحدث الشارع الليبي بقلق متزايد عن مستقبل الاقتصاد الوطني في ظل هذه التغييرات. القرار، الذي وصفه مختار الجديد بأنه “باطل قانونيًا”، أثار جدلاً واسعًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية. فبحسب الجديد، فإن تعيين المحافظ ومجلس إدارة المصرف المركزي هو اختصاص أصيل للسلطة التشريعية وفق قانون المصارف، ولا يمكن للمجلس الرئاسي أن يتجاوزه. هذه الإشارة إلى البعد القانوني ليست من قبيل الصدفة، بل هي محاولة لإلقاء الضوء على ما يعتبره الجديد “تجاوزًا للسلطات” و”محاولة لفرض أمر واقع” بطرق غير مشروعة.
الجديد: الحلول العشوائية للمصرف المركزي تزيد من الأزمة
ومع تصاعد الانتقادات، تركز النقاش حول تصريحات رئيس مجلس الإدارة المكلف، عبد الغفار، الذي ظهر في خطاب موجه للتجار قائلاً: “ياخوتنا التجار، حطو فلوسكم في المصارف”. بالنسبة لمختار الجديد، هذا الخطاب ليس إلا محاولة للتغطية على فشل السياسات المالية للمصرف المركزي، بل ويعتبرها محاولة صريحة لتحميل التجار مسؤولية أزمة السيولة النقدية التي تعصف بالاقتصاد الليبي. “المشكلة ليست في التجار”، يقول الجديد، “بل في انهيار الثقة في الجهاز المصرفي والإجراءات العشوائية للمصرف المركزي”.
ما يراه مختار الجديد هو أن الأزمة المالية ليست نتيجة لعوامل خارجية بقدر ما هي نتيجة سياسات خاطئة وقرارات غير مدروسة من قبل القائمين على السياسة النقدية في ليبيا. ويضيف قائلاً: “بدلاً من أن يقوم المحافظ الجديد بتشخيص المشكلة بشكل موضوعي ووضع حلول واقعية، نراه يتغوث للتجار”، في إشارة إلى عدم جدية عبد الغفار في التعامل مع الأزمة الحقيقية التي يعاني منها الاقتصاد.
التجار سبب الأزمة المالية؟ ردود فعل حول تصريحات عبد الغفار.
الحديث عن “حلول سطحية” لم يتوقف عند هذا الحد، بل استمر الجديد في تسليط الضوء على تصريحات عبد الغفار حول إلغاء ضريبة الدولار في المستقبل القريب، قائلاً بسخرية: “يبدو أنه لا يعلم أن قرار فرض الرسوم سينتهي مع نهاية السنة وسيلغي نفسه بنفسه في الفترة القريبة القادمة”. هذه السخرية تعكس ليس فقط الانتقاد المباشر لشخصية عبد الغفار، بل أيضاً تشكيكاً في فهمه العميق للسياسات المالية والنقدية.
في ظل هذه الانتقادات الحادة، يتساءل الكثيرون في الشارع الليبي: ما هي الخيارات المتاحة أمام مجلس إدارة المصرف المركزي الجديد؟ وهل يستطيع حقًا مواجهة التحديات الاقتصادية الجسيمة التي تواجه البلاد؟ مختار الجديد لا يبدو متفائلاً: “سينتهي هذا الحماس وهذا التشويق الذي يقوده الإعلام الموجه خلال أسبوع على الأكثر… وسيجد من يسمون أنفسهم بمجلس إدارة المصرف في مواجهة واقع لن يستطيعوا حياله شيئًا”. هذه النظرة المتشائمة تستند إلى تقييم الجديد لأداء مجلس الإدارة الجديد حتى الآن، حيث يرى أنهم يفتقرون إلى الخبرة والقدرة على التعامل مع الواقع الاقتصادي المعقد.
اتهامات بممارسة “البلطجة” وقرارات المجلس الرئاسي باطلة!
وبعيدًا عن انتقادات الجديد، هناك تساؤلات أخرى تثار حول موقف محمد الشكري، الذي يعرف هذا الكلام جيدًا، ولذلك رفض القرار. “أما ما يسمى بأعضاء مجلس الإدارة فقد أعماهم حبهم للسلطة وعشقهم للمناصب عن رؤية الحقيقة”، يقول الجديد، ملمحًا إلى أن الأزمة لا تتعلق فقط بالسياسات الخاطئة، بل أيضاً بالأطماع الشخصية والصراعات الداخلية على المناصب والنفوذ.
تتردد في الشارع الليبي أصوات تدعو إلى التحرك السريع لإصلاح الوضع المالي، لكن مختار الجديد يرى أن الوضع قد يتطلب إعادة التفكير بشكل جذري في السياسات المالية والنقدية. الحلول العشوائية والسريعة لن تفلح، بحسب الجديد، ويجب على القائمين على المصرف المركزي أن يتحلوا بالشجاعة والشفافية في التعامل مع الأزمات الاقتصادية.
إلغاء ضريبة الدولار قريبًا… وحقيقة انتهاء قرار فرض الرسوم!
وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن تكون هناك فرصة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية في ليبيا في ظل هذا التخبط الإداري والسياسي؟ مختار الجديد يرى أن الأمل يكمن في التغيير الحقيقي والجذري في نهج إدارة المصرف المركزي، بعيداً عن المصالح الشخصية والأجندات الضيقة. وبدلاً من محاولة توريط المصارف التجارية في ديون عامة جديدة بقيمة خمسة مليارات دينار، يجب التركيز على بناء الثقة في النظام المصرفي وإصلاح السياسات الاقتصادية بشكل شامل.
بين التفاؤل والتشاؤم، تبقى الحقيقة واضحة: ليبيا تواجه تحديات اقتصادية كبيرة تتطلب حلولاً جدية وحقيقية، وليس مجرد وعود وتصريحات إعلامية. مختار الجديد يوجه رسالة واضحة: التغيير ممكن، ولكن فقط إذا تم التركيز على السياسات الصحيحة والشجاعة في اتخاذ القرارات.