خلال زيارتها الأخيرة إلى ليبيا، أكدت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، روزماري ديكارلو، أن الحيز المدني الحر والمفتوح يعتبر أساسًا لتحقيق التغيير الإيجابي والمستدام في البلاد، معتبرة أن المجتمع المدني القوي هو دعامة أساسية لتعزيز حقوق الإنسان ودعم المشاركة الشعبية. وقد جاء ذلك خلال سلسلة من اللقاءات التي عقدتها ديكارلو مع ممثلي المجتمع المدني، النساء، والشباب في كل من طرابلس وبنغازي، حيث أكدت على دور هؤلاء الفئات في دعم الاستقرار السياسي وبناء السلام في ليبيا.
أهمية الحيز المدني الحر والمفتوح لتحقيق التغيير المنشود
تناولت النقاشات أهمية خلق مساحة مدنية حرة تشجع على التعبير والانخراط السياسي دون قيود رسمية أو ممارسات تعسفية مثل الاختفاء القسري، والذي يُعد إحدى أكبر التحديات التي تواجه نشطاء المجتمع المدني. وقد عبر المشاركون في اللقاء عن قلقهم المتزايد من التحديات التي تواجه الحيز المدني، مشيرين إلى أن النقاشات العامة غالبًا ما تتجاهل المناطق الجنوبية من البلاد وتتركز على الشرق والغرب، مما يعمق الفجوات الإقليمية.
ديكارلو أكدت أن “منظمات المجتمع المدني تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الشفافية والمساءلة والمشاركة العامة، وهو ما يعد ركيزة لبناء مستقبل ليبيا”، مشددة على أن هذه الفترة تعد من أخطر المراحل التي تمر بها البلاد، داعية إلى عدم التخلي عن الإنجازات التي تحققت حتى الآن.
التحديات التي تواجه النساء في المجتمع المدني والحياة العامة
بالإضافة إلى القضايا العامة التي تواجه المجتمع المدني، تم التركيز بشكل خاص على الصعوبات التي تواجه النساء عند مشاركتهن في الأنشطة المدنية والسياسية. أفادت النساء المشاركات في اللقاء بأنهن يواجهن عقبات كبيرة تتعلق بالسفر والمشاركة في الحياة العامة، مما يزيد من تهميشهن في مجالات صنع القرار. كما دعت المشاركات إلى ضرورة منح النساء حصة أكبر في المؤسسات التشريعية ليكون لهن دور فعال في اتخاذ القرارات الهامة.
في هذا الصدد، أعربت ديكارلو عن رغبتها في رؤية مزيد من النساء في مراكز صنع القرار، قائلة: “النساء يشكلن مفتاح التغيير في ليبيا، ونحن نعمل على تعزيز مشاركتهن في العمليات السياسية والانتخابية.” لكنها أوضحت أن التحديات التي تواجه النساء في ليبيا ليست فريدة من نوعها، مشيرة إلى وجود صعوبات مماثلة تواجه النساء في دول أخرى بسبب الثقافة التقليدية وخطاب الكراهية ضدهن.
مشاركة النساء والشباب في العملية السياسية وبناء السلام
من جهة أخرى، شدد المشاركون على ضرورة مشاركة الشباب والنساء بشكل أكبر في مفاوضات السلام والعملية السياسية، مشيرين إلى أن الأمم المتحدة قد اتخذت خطوات ملموسة لتحسين هذه المشاركة. إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لضمان تمثيل حقيقي وفعال للنساء والشباب في المؤسسات السياسية. وأكد المشاركون أن هذه الفئات تعد العمود الفقري لبناء ليبيا جديدة، مضيفين أن الوصول إلى تكافؤ في تمثيلهم سيسهم في تحقيق سلام مستدام واستقرار سياسي.
المرشحون الذين حضروا الاجتماع مع ديكارلو أبدوا تحفظاتهم بشأن الانتخابات القادمة، مؤكدين أن فصل الانتخابات البرلمانية عن الانتخابات الرئاسية قد يكون حلاً لتجنب حالة من الجمود السياسي. وأكد أحد المرشحين أن “الأمل يساوره في الانتخابات البرلمانية، ولكن ليس في الانتخابات الوطنية”، وهو ما يعكس حالة التشاؤم العامة التي تسود في المشهد السياسي الليبي.
دور الأمم المتحدة في دعم الحلول الليبية دون فرضها
وفي نهاية اللقاءات، شددت ديكارلو على أن دور الأمم المتحدة هو دعم الليبيين في التوصل إلى حلول داخلية، وليس فرض تلك الحلول عليهم، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة تسعى جاهدة إلى إطلاق عملية سياسية شاملة جديدة قد تكون المخرج من الأزمة السياسية الحالية. كما أشارت إلى أن العام المقبل سيشهد الذكرى العشرين لقرار مجلس الأمن بشأن المرأة والسلام، والذكرى العاشرة لقرار مجلس الأمن بشأن الشباب والسلام، ما يمثل فرصة لتعزيز دور هذه الفئات في صنع السلام.
وقالت ديكارلو: “الأمم المتحدة لا تسعى إلى فرض حل على الليبيين، بل ندعمهم لإيجاد حلول من داخل مجتمعهم.” وأضافت: “ما يستحقه الليبيون هو السلام الدائم والازدهار، ونحن ملتزمون بدعمهم في هذا المسار.”