في مشهد يعكس تعقيدات السياسة الليبية، أعرب أحمد حمزة، رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، عن اعتراضه على القرار الصادر من الحكومة منتهية الولاية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والذي يقضي بتشكيل مجلس إدارة جديد لجمعية الدعوة الإسلامية. جاء هذا الاعتراض من خلال تدوينة نشرها حمزة على موقع فيسبوك، حيث وصف القرار بأنه “اغتصاب لسلطة البرلمان” و”باطل بطلان مطلق”.
تعد تصريحات حمزة واحدة من سلسلة من الانتقادات التي توجه إلى حكومة الدبيبة منتهية الولاية، التي تواجه اتهامات بالتدخل في الشؤون التشريعية والقضائية، وهو ما يشكل خرقًا لمبدأ الفصل بين السلطات. حمزة يشدد في حديثه على أن حكومة الدبيبة تستمر في “العبث السياسي والإداري”، متجاهلة القوانين والتشريعات النافذة. وأشار إلى أن القرار الذي اتخذته الحكومة يشكل مخالفة للقانون رقم 9 لسنة 2023 والقانون رقم 58 لسنة 1972، واللذين ينظمان عمل جمعية الدعوة الإسلامية ويحددون تبعيتها لمجلس النواب.
قرار الدبيبة رقم 477 لسنة 2024 بخصوص تشكيل مجلس إدارة جديد لجمعية الدعوة الإسلامية أثار تساؤلات حول مدى شرعيته. وفقًا لأحمد حمزة، فإن الجمعية تخضع لإشراف البرلمان، وليس مجلس الوزراء، وفقًا للقوانين النافذة. القرار الجديد يعتبر “انتهاكًا” لصلاحيات البرلمان، الذي يمتلك الحق الحصري في تعيين أو إعفاء مجلس إدارة الجمعية.
أما الخبير الاقتصادي مختار الجديد فقد أضاف بُعدًا آخر للنقاش حول جمعية الدعوة الإسلامية، حيث أشار إلى تاريخها المثير للجدل والذي يرتبط بعمل المخابرات الليبية في فترة ما قبل 2011. الجديد ذكر أن الجمعية كانت تُستخدم كغطاء لتمويل الحركات والانقلابات في أنحاء مختلفة من العالم، وهو ما جعلها موضع انتقاد داخلي وخارجي. بعد ثورة 2011، توقع الكثيرون حل الجمعية نظرًا لتاريخها المريب، لكن الجديد يشير إلى أن الرأي العام تجاه الجمعية قد تغير، وأصبحت اليوم بابًا للارتزاق.
الجديد أشار أيضًا إلى أن الجمعية قد خرجت من دائرة الاهتمام منذ فترة طويلة، ولم يُذكر اسمها إلا نادرًا في التقارير الرسمية. آخر مرة ذُكرت فيها الجمعية كان في تقرير ديوان المحاسبة الليبي في عام 2013 أو 2014. هذا الإهمال للجمعية من قبل الجهات الرقابية يعزز الانطباع بأنها لم تعد تلعب دورًا مهمًا في الساحة الدينية أو السياسية، بل أصبحت ساحة للنزاعات حول إدارتها.
الصراع على إدارة الجمعية يعكس تداخلًا واضحًا بين الدين والسياسة في ليبيا، حيث تتصارع الأطراف المختلفة للسيطرة على مؤسسات تحمل طابعًا دينيًا لكنها ترتبط أيضًا بالسلطة السياسية. تشكيل مجلس إدارة جديد لجمعية الدعوة ليس مجرد قرار إداري، بل هو خطوة تحمل تداعيات قانونية وسياسية قد تؤدي إلى مزيد من الانقسام داخل المشهد السياسي الليبي المعقد.
في النهاية، يظل السؤال الذي يطرحه مختار الجديد حول دور الجمعية ومكانتها بعد أكثر من عقد من الثورة: هل ستبقى مؤسسة دينية ذات رسالة واضحة، أم أنها ستظل بابًا للارتزاق والنزاعات؟ وما هي الخطوات القادمة للحكومة والبرلمان في هذا الشأن؟