ليبيا الان

فساد في استيراد أدوية الأورام يفاقم معاناة المرضى

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

في أروقة المستشفيات وبين أروقة المعهد القومي للأورام، تتسرب الحقيقة كما تتسرب الروح من جسد المرضى الذين غلبهم السرطان وانهكتهم الأدوية المميتة، لكن هذه المرة ليس المرض وحده من يجلب الألم، بل هو فساد رجال السلطة ممن اعتلوا المناصب ونفوسهم جوعى للمال والثراء، يتلاعبون بحياة البشر دون اكتراث.

في تقرير صادم كشف عن تورط نجيب صوفية، رئيس اللجنة الفنية للعطاء العام ورئيس اللجنة العليا لتسجيل الشركات في وزارة الصحة بحكومة الدبيبة منتهية الولاية، في استيراد أدوية الأورام من مصادر غير موثوقة مثل الهند، تركيا، مالطا، وقبرص. أدوية ليست فقط بعيدة عن المواصفات الطبية، بل قد تكون السبب المباشر في تدهور صحة العديد من المرضى.

نجيب صوفية، الذي يجلس على كرسي السلطة بكل ثبات، كأنه صمام أمان يحمي جدران الفساد من السقوط، متورط في سلسلة من التجاوزات التي كشفت عنها وثائق ومستندات رسمية من المعهد القومي للأورام. تشير هذه الوثائق إلى استيراد أدوية وجُرعات سرطان غير مطابقة للمواصفات الدولية. هذه الأدوية لم تكن مجرد سلعة مغشوشة، بل سلاح قتل بطيء يغزو أجساد المرضى المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة.

التقرير الذي نشره الإعلامي خليل الحاسي، يكشف عن استيراد أدوية من دول مثل الهند وتركيا ومالطا وقبرص، دول لم تلتزم بأي معايير دولية في إنتاج الأدوية التي تم تصديرها إلى ليبيا. تأتي هذه الأدوية وقد حملت معها الموت وليس العلاج. عوضًا عن أن تُنقذ أرواحًا، أضافت إلى مآسي الليبيين مآسٍ جديدة.

في ليبيا اليوم، لا تملك سوى أن تقف عاجزًا أمام ما يحدث. الفساد كالجرثومة التي لا تموت، ولا تتوقف عن النخر في جسد الدولة. صفقات الأدوية، التي من المفترض أن تكون سلاحًا لمحاربة المرض، أصبحت هي في حد ذاتها جريمة ضد المرضى.

وفي القلب من هذه الجريمة يقف نجيب صوفية، الذي لم يكن همه سوى زيادة أرصدته في البنوك، ولو على حساب أرواح الشعب الليبي. لم يكن الفساد في استيراد الأدوية هو الجريمة الوحيدة، بل ما يصاحبها من إهمال ولامبالاة تضاف إلى سجل من التجاوزات والانتهاكات التي طالت جميع قطاعات الدولة.

ما يزيد من فداحة الكارثة أن نجيب صوفية يتولى مهامًا حساسة في حكومة الدبيبة، وهي حكومة منتهية الولاية، لا تملك شرعية ولا تستمد قوتها إلا من الفوضى التي تعم البلاد. ومع ذلك، لم يتوقف صوفية ومن معه عن استغلال هذه الفوضى لتمرير صفقات مشبوهة تدر عليهم ملايين الدولارات.

المفارقة المحزنة أن الشعب الليبي هو الضحية في كل هذا. لا يجد المواطن البسيط ما يقيه من أمراضه سوى بعض الجرعات التي قد تكون قاتلة أكثر من المرض ذاته. الجرعات التي دخلت إلى ليبيا على يد الفاسدين، وبتوقيع من لا تهمهم سوى مصالحهم الشخصية.

السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم: أين المحاسبة؟ أين العدالة؟ كيف يمر هذا الفساد دون أن يُفتح تحقيق، دون أن يُحاسب هؤلاء الذين تاجروا بحياة المواطنين؟ أليس من المفترض أن تكون أرواح الناس خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه؟

لكن في جمهوريات الموز، التي باتت ليبيا تقترب منها شيئًا فشيئًا، لا شيء يقف في وجه الفساد. المال هو الحاكم، والمناصب هي الغاية، أما الشعب فمجرد أرقام في معادلة السلطة.

ومع تصاعد هذه الفضائح، يبقى الأمل معقودًا على دور الإعلام والمجتمع المدني في كشف هذه التجاوزات ومحاسبة المسؤولين عنها. على الرغم من التضييق المستمر، وعلى الرغم من محاولات إسكات كل صوت يتحدث عن الفساد، لا تزال هناك إرادة حقيقية لدى الكثيرين لإصلاح ما يمكن إصلاحه.

الإعلام الذي بات هو الآخر عرضة لضغوط الفاسدين، لا يمكنه أن يبقى صامتًا أمام هذه الكوارث. ما حدث في ملف الأدوية لا يجب أن يمر دون تحقيقات عاجلة ومستقلة. على المجتمع الدولي أيضًا أن يكون له دور في هذه القضية، لأن الفساد الصحي ليس مجرد شأن محلي، بل هو جريمة إنسانية يعاقب عليها القانون الدولي.

وفي النهاية، المواطن الليبي هو الضحية الكبرى لكل هذا. في كل مرة يُكتشف فيها ملف فساد جديد، يُصاب المواطن بخيبة أمل أعمق. الأدوية الفاسدة، التي كان من المفترض أن تكون علاجًا لأمراضه، أصبحت هي نفسها مرضًا آخر يضاف إلى قائمة المعاناة الطويلة.

بينما يزداد الفاسدون ثراءً وقوة، يزداد الشعب الليبي ضعفًا وفقرًا. يركضون وراء لقمة العيش، وراء علاج يخفف عنهم بعض الآلام، ليجدوا أنفسهم محاصرين في دوامة لا نهاية لها من الفساد والجشع.

في هذا الواقع الأليم، لن يتغير شيء ما لم يتحرك الناس ويطالبوا بحقوقهم. لا يجب أن يكون هناك مكان للفاسدين في دولة تحترم شعبها. وعلى الدولة أن تتحرك، قبل أن يتحول هذا الفساد إلى سرطان يأكل كل شيء، دون رجعة.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24