ليبيا الان

الأسود: النفط الليبي ورقة سياسية في صراع القوى الإقليمية

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

في خضم التوترات السياسية العميقة التي تملأ الساحة الليبية، تبرز قضية النفط كورقة حاسمة في صراع القوى الإقليمية والدولية. منذ سنوات طويلة، كانت الثروات الطبيعية لليبيا، وخاصة النفط، من أبرز العوامل التي تتحكم في مستقبل البلاد السياسي. الملف النفطي بات أكثر إلحاحًا بعد التصريحات الأخيرة لوزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، الذي كشف عن اهتمام بلاده بالتنقيب عن الطاقة في المياه الليبية، بالتعاون مع طرابلس. هذه الخطوة، في نظر الكثيرين، أعادت فتح الجروح القديمة المتعلقة بالتدخلات الخارجية في ليبيا.

إن السعي التركي لتوسيع نفوذها في منطقة البحر المتوسط، من خلال اتفاقيات الطاقة مع حكومة طرابلس، يعكس طموحات أنقرة الإقليمية. فمنذ توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في نوفمبر 2019 بين تركيا وحكومة الوفاق السابقة، ساد توتر ملحوظ بين تركيا من جهة، ومصر واليونان من جهة أخرى. الاتفاقية قوبلت بمعارضة شديدة من دول الجوار، خاصة وأنها تمس بمصالحهم الإقليمية والسياسية. ومع توقيع الاتفاق المبدئي لاستكشاف الطاقة في 2022، عاد التوتر ليخيم على العلاقات الإقليمية.

وبينما تواصل أنقرة محاولاتها لاستغلال الوضع الهش في ليبيا، تظل القاهرة في موقف المعارض الشديد لهذه التحركات. فمصر، التي تعد لاعباً رئيسياً في المنطقة، ترى أن تعزيز النفوذ التركي في ليبيا يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي. وقد أثار التحرك التركي الأخير تساؤلات عديدة حول مصير الصراع الإقليمي على الطاقة في منطقة شرق المتوسط.

على الجهة الأخرى، جاء تصريح ميلود الأسود، عضو لجنة الطاقة بمجلس النواب، ليؤكد على أن استخدام الموارد الوطنية، وبخاصة النفط، كورقة سياسية لخدمة مصالح أي طرف من الأطراف المتصارعة، هو أمر مرفوض تماماً. فالأسود، الذي يعد من الأصوات المؤثرة في ملف النفط الليبي، يرى أن استغلال الثروات النفطية لتحقيق أهداف سياسية لا يخدم ليبيا بأي حال.

وبالنظر إلى الوضع السياسي الهش في ليبيا، يبدو أن البلاد أصبحت فريسة سهلة لشركات النفط العالمية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها دون الالتفات إلى المصلحة الليبية. فالأسود يرى أن الظروف السياسية والأمنية الحالية تجعل من ليبيا في موقف تفاوضي ضعيف، مما يسهل على بعض الدول الحصول على عقود طويلة الأمد بشروط لا تحقق العدالة ولا تخدم المصلحة الوطنية.

أشار الأسود في تصريحات صحفية رصدتها  “أخبار ليبيا 24″، إلى أن سياسة التعاقدات المباشرة التي تتبعها المؤسسة الوطنية للنفط جاءت بضغوط من الحكومة منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. ويبدو أن هذه السياسة تتعارض مع موقف مجلس النواب الذي يرى ضرورة تنظيم عمليات التنقيب والإنتاج النفطي من خلال عطاءات مفتوحة وفق القوانين المعمول بها. فالتعاقدات المباشرة، برأي الأسود، قد تؤدي إلى إهدار الموارد الوطنية إذا لم تكن مدروسة بشكل جيد.

وفي هذا السياق، أصدر مجلس النواب القرار رقم (15) لسنة 2023، الذي ينص على منع المساس بالثروات السيادية للبلاد إلى حين انتخاب حكومة وطنية من الشعب الليبي. هذا القرار يعكس الحرص على حماية الثروات النفطية من العبث والاستغلال الخارجي في ظل الوضع السياسي غير المستقر.

لم تكن قضية النفط الليبي مجرد مسألة داخلية تتعلق بإدارة الموارد، بل أصبحت قضية إقليمية وعالمية تُثير اهتمام العديد من الدول. فالتوترات بين أنقرة وأثينا على خلفية التنقيب عن الطاقة في البحر المتوسط، وتصاعد الخلافات بين تركيا ومصر، أدت إلى تعقيد المشهد بشكل أكبر. ومع تحسن العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، تظل القضية النفطية نقطة شائكة قد تعيد إشعال التوترات في أي لحظة.

الواقع أن النزاعات حول الطاقة في البحر المتوسط لا تقتصر على الدول المحيطة بليبيا، بل تشمل العديد من القوى العالمية التي ترى في هذه المنطقة مصدراً هاماً للطاقة يمكن أن يُحدث فارقاً كبيراً في سوق النفط والغاز العالمي. ولهذا، فإن أي خطوة تُتخذ في هذا الملف تؤثر بشكل مباشر على العلاقات الدولية، وخاصة في ظل سعي بعض القوى لاستغلال الانقسامات الداخلية في ليبيا لتحقيق مصالحها الخاصة.

في ظل هذه التوترات، يبقى موقف مجلس النواب حاسماً في حماية ثروات البلاد. فالأسود، الذي يُعبر عن رأي المجلس، شدد على أن أي عقود تُوقع مع شركات أجنبية يجب أن تكون مدروسة وعادلة، بحيث تحقق مصلحة ليبيا أولاً وأخيراً. وأشار إلى أن المجلس لن يقف ضد مصلحة البلاد، لكن شرطه الأساسي هو أن تكون العقود متوافقة مع القوانين المحلية، وأن تضمن تحقيق مصلحة الليبيين.

ورغم الضغوط الدولية والإقليمية، يبدو أن مجلس النواب عازم على حماية ثروات ليبيا من الاستغلال الخارجي. وقد يكون هذا الموقف هو الحل الأمثل لضمان أن تستفيد ليبيا من مواردها النفطية بشكل يُحقق التنمية الاقتصادية والسياسية في البلاد.

مع سعي تركيا ومصر للتوصل إلى اتفاق ينهي حصار تصدير النفط في ليبيا، يبدو أن هناك إرادة إقليمية لإنهاء هذا الصراع المتأجج. فوفقاً لوكالة «بلومبرغ» الاقتصادية، تعمل كل من أنقرة والقاهرة على الضغط على حكومتي الوحدة الوطنية المؤقتة، والمكلفة من مجلس النواب، للتوصل إلى اتفاق يسمح باستئناف تصدير النفط الليبي.

لكن السؤال الذي يظل مطروحاً هو: هل ستنجح هذه الجهود في وضع حد للنزاع الإقليمي على الثروات الليبية؟ أم أن الملف النفطي سيظل ورقة تُستخدم لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب استقرار ليبيا ومستقبلها؟

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24