ليبيا الان

أزمة مصرف ليبيا المركزي تفتح أبواب الفوضى الاقتصادية الشاملة

مصدر الخبر / اخبار ليبيا 24

تواجه ليبيا اليوم أزمة مالية غير مسبوقة تنذر بتفاقم الفوضى الاقتصادية وتعمق الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات. الأزمة التي تتركز حول مصرف ليبيا المركزي، الذي يُعد القلب النابض للاقتصاد الليبي، أخذت أبعادًا جديدة في ظل الصراع المحتدم بين مختلف الأجسام السياسية. الصراع الذي يتشابك مع المصالح الإقليمية والدولية يعكس فوضى أعمق تهدد بانهيار شامل للدولة الليبية في حال عدم التوصل إلى حلول جذرية.

أزمة مصرف ليبيا المركزي ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج سنوات من الصراعات السياسية والاقتصادية المتشابكة. بعد أحداث 2011، دخلت البلاد في حالة من الفوضى السياسية حيث تشكلت حكومات وبرلمانات متعاقبة دون أن تتمكن من إحكام السيطرة على المؤسسات السيادية، بما في ذلك المصرف المركزي. هذا الواقع أدى إلى انقسام سياسي عميق وانقسام داخل المصرف نفسه، ما جعله هدفًا لصراعات النفوذ.

وفي ظل استمرار الصراع، باتت ليبيا تعتمد بشكل رئيسي على إيرادات النفط، والتي تشكل حوالي 90% من إيرادات الدولة. ومع ذلك، فإن هذه الإيرادات تتعرض للنهب والتلاعب من قبل القوى السياسية المختلفة، ما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية. اليوم، تقف ليبيا أمام مفترق طرق خطير، فإما أن تستعيد مؤسساتها السيادية وتحقق استقرارًا ماليًا، أو تواجه انهيارًا اقتصاديًا لا محالة.

مصرف ليبيا المركزي يُعتبر المؤسسة الأهم في البلاد، حيث يقوم بدور رئيسي في إدارة السياسات النقدية والتحكم في سعر صرف الدينار الليبي، بالإضافة إلى إدارة احتياطيات النقد الأجنبي وتنظيم القطاع المصرفي. ومنذ سنوات، يعاني المصرف من حالة من الشلل بسبب الصراع السياسي بين الشرق والغرب الليبي، حيث تدير كل جهة شؤونها المالية بشكل منفصل.

الصراع على إدارة المصرف المركزي
أحد أكبر أسباب الأزمة الحالية هو الصراع حول من يسيطر على إدارة المصرف المركزي. هذا الصراع يتشابك مع صراعات سياسية أوسع بين مجلس النواب ومجلس الدولة وحكومتي الشرق والغرب. في ظل هذه الحالة، أصبحت المصرفية في ليبيا ساحة لتصفية الحسابات السياسية، حيث يُستخدم المصرف لتحقيق أهداف سياسية ضيقة على حساب الاقتصاد الوطني.

عبد المنعم اليسير وتحذيراته:

أبرز الشخصيات التي تحدثت عن الأزمة المالية الأخيرة كان عبد المنعم اليسير، رئيس لجنة الأمن القومي في المؤتمر العام، الذي حذر من أن استمرار الأزمة الحالية سيؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي. في مداخلة تلفزيونية تابعتها “أخبار ليبيا 24″، أكد اليسير أن ليبيا تعيش على “حقل من الألغام” في ظل الأجسام السياسية غير الشرعية، التي تسعى لتشديد قبضتها على المصرف المركزي لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.

الآثار الاقتصادية لهذه الأزمة باتت واضحة للجميع. فمع استمرار الفشل في الوصول إلى حل للأزمة، تتزايد القيود على السحب وتحريك الأموال بين المصارف، ما جعل الاقتصاد يقترب من حالة انهيار تام. التجار يعيشون في حالة من الفوضى، والموظفون الحكوميون والمواطنون يعانون من نقص السيولة، والعملة الليبية باتت مهددة بالانهيار.

من جهة أخرى، أدى إغلاق الحقول النفطية إلى تفاقم الأزمة، حيث أصبحت البلاد تعتمد على مخزون محدود من النقد الأجنبي. المصرف المركزي بات عاجزًا عن إدارة السياسات النقدية بكفاءة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة معاناة المواطن الليبي. وبدلاً من أن يكون المصرف المركزي مؤسسة سيادية محايدة، أصبح جزءًا من الصراع السياسي، ما عمق من أزمة الثقة بين الشعب والمؤسسات السيادية.

رغم الجهود الدولية والمحلية لحل الأزمة، إلا أن الخلافات بين الأطراف السياسية ما زالت مستعصية على الحل. مجلسا النواب والدولة لا يزالان يتبادلان الاتهامات والمماطلة في اتخاذ قرارات حاسمة بشأن تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي، ما أدى إلى تأخير أي إصلاحات مالية حقيقية. الأطراف السياسية، رغم تصريحاتها حول أهمية استقرار الاقتصاد، تواصل استخدام المصرف كأداة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية.

أحد المقترحات التي طُرحت هو تشكيل لجنة ثلاثية تدير أعمال المصرف مؤقتًا، إلا أن هذا المقترح لم يجد قبولًا لدى جميع الأطراف، حيث يصر كل طرف على تعيين محافظ جديد يتبع له.

أزمة المصرف المركزي الليبي ليست بعيدة عن السياق الإقليمي والدولي. الدول الإقليمية مثل مصر وتركيا والسعودية تتابع تطورات الأزمة عن كثب، وتعمل على تحقيق توازنات سياسية داخل ليبيا بما يتناسب مع مصالحها. في المقابل، لعبت بعض الدول دورًا في تعميق الأزمة عبر دعم طرف على حساب الآخر، ما جعل الحلول أكثر تعقيدًا.

نور الدين حبارات وتحليله الفني:

نور الدين حبارات، الخبير الاقتصادي، تحدث عن أهمية استقلالية المصارف المركزية ودورها في تحقيق استقرار اقتصادي بعيدًا عن التجاذبات السياسية. في منشور له على موقع “فيسبوك”، أكد حبارات أن الأزمة الحالية في ليبيا تعكس فشل النظام السياسي في الحفاظ على استقلالية المؤسسات السيادية. وأشار إلى أن تعيين وإقالة محافظي المصرف المركزي في دول العالم يتم بناءً على معايير مهنية بحتة، بعيدًا عن المحاصصات السياسية.

أزمة مصرف ليبيا المركزي هي أزمة تتجاوز الحدود المالية لتصل إلى قلب النظام السياسي الليبي. ما لم يتم التوصل إلى حلول جذرية لهذه الأزمة، فإن البلاد تواجه مستقبلًا مظلمًا اقتصاديًا. الحل يكمن في تحقيق توافق سياسي يعيد الثقة إلى المؤسسات السيادية ويضمن إدارة محترفة للمصرف المركزي، بعيدة عن الحسابات السياسية الضيقة. على المجتمع الدولي أيضًا أن يلعب دورًا في تحقيق هذا التوافق، عبر الضغط على الأطراف المتصارعة للجلوس إلى طاولة الحوار والتوصل إلى حلول تُخرج ليبيا من أزمتها.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من اخبار ليبيا 24

عن مصدر الخبر

اخبار ليبيا 24