تصريحات زياد دغيم: شكوك وتناقضات في المشهد الليبي
في الساحة السياسية المتشابكة، تعود تصريحات زياد دغيم، عضو مجلس النواب المُقال وسفير ليبيا في هولندا ومستشار رئيس المجاس الرئاسي محمد المنفي للشؤون التشريعية والانتخابات، لتفتح الباب أمام مجموعة من التساؤلات حول مستقبل إدارة مصرف ليبيا المركزي والصراع الداخلي بين المؤسسات الليبية المختلفة. دغيم، في مداخلة تلفزيونية حديثة تابعتها “أخبار ليبيا 24″، أطلق مجموعة من التصريحات الجريئة التي حملت طابعًا تشكيكيًا ووجهت أصابع الاتهام نحو عدة أطراف سياسية.
الصديق الكبير: جزء من الماضي أم خطر مستمر؟
يرى زياد دغيم أن الصديق الكبير، قد أصبح جزءًا من الماضي. وهو يشير بوضوح إلى أن فاعلية الكبير باتت منتهية وأن المصرف يعمل بكفاءة عالية في ظل الإدارة الحالية. هذه التصريحات تعكس موقفًا قوياً من دغيم تجاه الكبير، حيث يصفه بأنه يستخدم دعمًا أمريكيًا وإقليميًا لابتزاز الشعب الليبي، ملمحًا إلى مخاطر تتعلق بمبدأ “النفط مقابل الغذاء” الذي يشير إلى إمكانية ربط ثروات البلاد بمساعدات خارجية.
رغم أن دغيم يؤكد على انتهاء دور الصديق الكبير، إلا أن مخاوفه تتجلى في حديثه عن دعم خارجي مستمر للكبير. هذه المخاوف تعبر عن أزمة ثقة عميقة في قدرة ليبيا على تحقيق استقلالية حقيقية في إدارة مؤسساتها المالية بدون تدخلات خارجية. الدعم الخارجي الذي يراهن عليه الكبير، بحسب دغيم، يشكل تهديدًا مباشرًا للوضع السيادي الليبي، خاصة إذا ما كانت هناك محاولات لإعادة الكبير إلى منصبه.
التحديات أمام انتخاب محافظ جديد: انقسام داخلي وخلافات مستمرة
من خلال المفاوضات التي جرت مع ممثلي مجلس النواب والدولة، لم يذكر زياد دغيم أي توافق على فكرة إعادة الصديق الكبير، بل أكد على رفض هذه الفكرة بشكل قاطع منذ طرحها. بدلاً من ذلك، تُظهر النقاشات توجهًا نحو انتخاب محافظ جديد، مع توافق عام على ضرورة اختيار شخصية تتماشى مع معايير وطنية ودولية.
ولكن يبقى السؤال المحوري: هل يستطيع مجلس النواب والدولة تحقيق توافق على انتخاب محافظ جديد في ظل الانقسامات العميقة التي تشهدها البلاد؟ دغيم يطرح هذا التساؤل بوضوح، مشيرًا إلى أن الاتفاق حتى الآن يقتصر على المبادئ العامة، دون الدخول في مرحلة مؤقتة أو تسمية المحافظ بشكل رسمي. ووسط هذه الانقسامات، يتم تداول اسم مرعي البرعصي كمرشح محتمل من قبل ممثلي مجلس النواب.
إدارة مؤقتة أم انتخاب محافظ جديد؟
واحدة من النقاط الأساسية التي ركز عليها دغيم هي رفضه لفكرة الإدارة المؤقتة لمصرف ليبيا المركزي، مبررًا ذلك بأن المصرف يعمل بشكل جيد ولا توجد حاجة لتغيير القيادة في هذه المرحلة. ومع ذلك، ظهرت مسودة تتعلق بإدارة مؤقتة برئاسة البرعصي وانتخاب محافظ جديد بعد فترة زمنية قصيرة، وهي مسودة تم الاتفاق على بعض مبادئها ولكن لا تزال تفاصيلها غير محسومة.
من ناحية أخرى، يبرز في كلام دغيم رفضه لترشح أي شخص أظهر عدم احترامه للقضاء أو ازدراءه العملي له. هذه النقطة تحديدًا تُعد مؤشرًا على التوتر القائم بين الأجنحة السياسية المختلفة في ليبيا، خاصة مع محاولات بعض الشخصيات استخدام القضاء كأداة لتحقيق مكاسب سياسية.
صراع الصلاحيات بين البرلمان والرئاسي: أين تتجه الأمور؟
من بين القضايا التي أثارها دغيم هي صراع الصلاحيات بين البرلمان والمجلس الرئاسي، خاصة فيما يتعلق بتعيين محافظ المصرف المركزي. وفقًا لدغيم، تعيين مجلس إدارة المصرف هو من صلاحيات الرئاسي بموجب الاتفاق السياسي، في حين يرى أن البرلمان لا يملك السلطة لاختيار حكومة جديدة بعد إلغاء الاتفاق السياسي من قبل مجلس النواب.
هذا الصراع حول الصلاحيات يثير تساؤلات عديدة حول مستقبل النظام السياسي الليبي. فبينما يتمسك البرلمان بقراراته المتتالية التي شملت سحب الثقة من حكومة الدبيبة ومحاولات مستمرة لسحب مناصب سيادية أخرى من الرئاسي، يصر الأخير على حقه في تسمية رئيس الحكومة وفقًا للتعديل الدستوري الأخير.
زياد دغيم وموقفه من التدخلات الخارجية: قلق مشروع أم ترويج لأجندة سياسية؟
لا يمكن فهم تصريحات زياد دغيم بدون التطرق إلى موقفه من التدخلات الخارجية في الشأن الليبي. وفقًا له، فإن الصديق الكبير يراهن على دعم خارجي للعودة إلى منصبه، وهو ما يعتبره دغيم أمرًا خطيرًا جدًا. هذا التصريح يلمح إلى احتمالية وجود نفوذ خارجي يدفع باتجاه الحفاظ على توازنات معينة داخل المشهد السياسي الليبي، وهو ما يثير القلق بشأن قدرة البلاد على تجاوز مرحلة الانتقال السياسي بشكل مستقل.
في هذا السياق، يشير دغيم إلى خوفه من أن بعض أنصار تيارات سياسية معينة قد يسعون للوصول إلى السلطة سواء عبر رئاسة الحكومة أو المناصب السيادية الأخرى. هذه المخاوف تعكس حالة من الارتياب تسود المشهد السياسي، حيث تتداخل المصالح الداخلية والخارجية في تشكيل مستقبل ليبيا.
خاتمة: مستقبل المصرف المركزي في ظل الانقسامات السياسية
تصريحات زياد دغيم تكشف عن حالة من الشك والريبة تجاه مستقبل المصرف المركزي، وفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول قدرة المؤسسات الليبية على تجاوز خلافاتها وانتخاب محافظ جديد. وبينما تستمر المفاوضات، يبقى الوضع المالي والسياسي لليبيا معلقًا على توافق القوى المختلفة، وسط مخاوف من التدخلات الخارجية التي قد تعرقل هذا التوافق.