مع بداية العام الدراسي الجديد في ليبيا، يواجه الآباء والأمهات تحدياتٍ كبرى في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية الراهنة التي تعصف بالبلاد. وبينما يستعد الأطفال للعودة إلى مدارسهم، تتزايد هموم الأسر الليبية، التي تجد نفسها عاجزةً عن تأمين احتياجات أبنائها الأساسية ناهيك عن المستلزمات المدرسية.
المشهد ليس جديداً، فالأزمات المتواصلة قد جعلت الحياة اليومية لليبيين أشبه بكفاح مستمر للبقاء على قيد الحياة.
في الوقت الذي يفترض أن يكون بداية العام الدراسي وقتاً مليئاً بالأمل والطموح، أصبحت المدارس الليبية ميداناً آخر من ميادين المعاناة. الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات جعلت من الصعب على العديد من الأسر توفير حتى الأساسيات لأطفالهم. الأسعار المرتفعة للمواد الغذائية، الملابس، واللوازم المدرسية تضغط بشدة على ميزانيات العائلات، خاصة تلك التي لا يتوفر لديها دخل ثابت.
السياسات الحكومية الفاشلة في معالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية قد زادت من حدة الأمور. فقد توقفت العديد من القطاعات الحيوية عن العمل، في حين يعاني القطاع التعليمي من نقص حاد في التمويل.
الأب الليبي يجد نفسه اليوم في موقفٍ محير، بين رغبة ملحة في تأمين مستقبل أبنائه التعليمي، وعجزٍ عن تلبية احتياجاتهم اليومية. فكيف يمكن لرب الأسرة، الذي بالكاد يستطيع تأمين الطعام والشراب لعائلته، أن يفكر في شراء الحقائب المدرسية والكتب والدفاتر؟
إن حالة الانفصال بين الواقع الاقتصادي المأزوم وبين التوقعات المجتمعية تجعل من دور رب الأسرة محط تساؤل. كيف سيواجه العام الدراسي الجديد؟ وكيف سيتصرف مع أطفاله الذين ينتظرون دخول المدرسة في وقت يعجز فيه عن تأمين احتياجاتهم؟
المدارس الليبية تواجه هي الأخرى مصاعب جمة. ليس فقط من حيث نقص الموارد المالية والمعدات الأساسية، بل أيضًا من ناحية غياب الاستقرار السياسي الذي يعرقل أي محاولات جادة لإصلاح القطاع التعليمي. لا يوجد تمويل كافٍ للمدارس، ولا دعم حقيقي من الحكومة لتأهيل المعلمين أو توفير بيئة تعليمية ملائمة للطلاب.
الأسر الليبية باتت تدرك أن مستقبل أبنائها أصبح رهينةً للأزمات المتتالية. حتى المعلمين أنفسهم يعانون من تدني الأجور وعدم انتظامها، مما يزيد من تدهور جودة التعليم في البلاد.
أمام هذه المعاناة، يبقى السؤال الأكبر: كيف يمكن للأسرة الليبية الموازنة بين احتياجاتها اليومية واحتياجات أبنائها التعليمية؟ الأسعار المرتفعة وانعدام القدرة الشرائية يزيدان من صعوبة توفير الطعام والشراب والملابس. فكيف ستتمكن هذه العائلات من شراء الدفاتر والأقلام والزي المدرسي؟
يجد العديد من الآباء والأمهات أنفسهم مضطرين لاتخاذ قرارات صعبة. هل يوفرون الطعام لأبنائهم أم يرسلونهم إلى المدرسة بدون لوازم؟ هذا السؤال يعكس حجم المأساة التي تعيشها الأسر الليبية.
رغم كل هذه التحديات، لا تزال العائلات الليبية تحاول التمسك بأمل التعليم. ففي نهاية المطاف، التعليم هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن ينقذ مستقبل الأجيال القادمة من مصيرٍ مجهول.
ولكن، مع استمرار الأزمات السياسية وعدم وجود رؤية واضحة للحل، يبقى التعليم في ليبيا محاصرًا في دائرة من الفشل والإهمال.
وفي خضم هذه الظروف، يصبح السؤال المطروح: هل سيصمد النظام التعليمي الليبي أمام هذه التحديات، أم أن الأجيال الجديدة ستكون ضحية إضافية للأزمات السياسية والاقتصادية؟
من الواضح أن الأزمة الحالية لا تتعلق فقط بالاقتصاد والسياسة، بل تمتد لتطال كافة جوانب الحياة. التعليم، الذي يمثل الأمل الأخير للكثير من الأسر الليبية، يتعرض لضغوط هائلة، مما يهدد مستقبل الأجيال القادمة.
ومع ذلك، يبقى الأمل موجودًا. ربما في يوم من الأيام، سيتمكن الليبيون من تجاوز هذه الأزمات وإعادة بناء نظام تعليمي قوي ومستدام. لكن حتى ذلك الحين، تبقى الأسر الليبية تصارع من أجل البقاء وتوفير مستقبلٍ أفضل لأبنائها.