تتزايد التحركات الدولية الرامية إلى إيجاد حل جذري للصراع الليبي الذي طال أمده، وخاصة مع الجهود الأخيرة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي. في خضم الأزمات السياسية والانقسامات الحادة التي تعصف بليبيا منذ سنوات، برزت مبادرة جديدة تنطلق من عواصم دبلوماسية مختلفة لتضع السلام على أجندة الأولويات.
في الأسبوع الأخير من المناقشات رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، استقبل وزير خارجية جمهورية الكونغو جان كلود غاكوسو المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا وسفير واشنطن في طرابلس، ريتشارد نورلاند، لمناقشة آفاق الحلول السياسية الممكنة في ليبيا. تمحورت النقاشات حول دور الاتحاد الإفريقي كفاعل رئيسي في الدفع بعملية المصالحة الوطنية الليبية إلى الأمام، وهي خطوة لاقت ترحيباً دولياً واسعاً.
ريتشارد نورلاند، الذي يمثل بلاده في ليبيا في لحظات حرجة من تاريخ هذا البلد، عبّر عن شكره العميق لجمهورية الكونغو ووزير خارجيتها على دورهم الفاعل في احتضان الجهود الإفريقية لدعم السلام في ليبيا. وقد جاءت هذه التصريحات بعد لقاء جمع بين الطرفين ضمن سلسلة من الاجتماعات الدولية الرامية إلى إحياء العملية السياسية الليبية، التي شهدت تعثراً متواصلاً نتيجة التوترات الداخلية والصراعات المسلحة.
وزير خارجية الكونغو، الذي يشغل منصباً حساساً كوسيط إقليمي في الملف الليبي، قدّم لنورلاند إحاطة شاملة حول مبادرة الاتحاد الإفريقي لعقد مؤتمر مصالحة يشمل جميع الأطراف الليبية المتنازعة، ويهدف إلى تمهيد الطريق نحو توحيد البلاد من جديد. هذه الجهود الإفريقية تأتي في ظل اهتمام دولي متزايد بالأزمة الليبية، والتي باتت تشكل أحد أبرز الملفات على طاولة النقاشات في المحافل الدولية.
تُظهر الولايات المتحدة التزاماً متزايداً بإنهاء الصراع الليبي من خلال العمل عن كثب مع الاتحاد الإفريقي لتنظيم مؤتمر المصالحة المقترح. نورلاند أكد خلال تصريحاته أن بلاده ستدعم بشكل كامل أي جهد يسعى لجمع الخصوم الليبيين تحت مظلة واحدة لإيجاد حل دائم للنزاع.
وإذ يشدد نورلاند على أهمية دور الاتحاد الإفريقي، فإنه يبرز الحاجة إلى أن تتضافر جهود جميع الأطراف الدولية والإقليمية لضمان نجاح هذه المبادرة. فمن دون دعم دولي وإقليمي، قد تظل هذه الجهود مجرد محاولات غير مكتملة لإحلال السلام.
من المؤكد أن تنظيم مؤتمر مصالحة ليبي يمثل خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح، ولكن التحديات التي تعترض هذا المسار لا تزال كبيرة. فالانقسامات العميقة بين الفصائل الليبية والجهات المتنافسة على السلطة، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد المشهد السياسي، تشكل عقبات رئيسية أمام أي محاولة للتوصل إلى تسوية نهائية.
على الرغم من ذلك، فإن الدعم الدولي، وخاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي، يوفر فرصة فريدة لتحقيق تقدم حقيقي. المؤتمر المقترح من شأنه أن يوفر منصة للحوار المباشر بين الفصائل الليبية، وهو أمر ضروري لإنهاء الصراع الذي أرهق البلاد لعقد من الزمن.
يتسم الاتحاد الإفريقي بموقعه كوسيط محايد في الأزمة الليبية، وهو ما يجعله شريكاً موثوقاً للأطراف الليبية. الاتحاد الذي يتألف من دول ذات تاريخ طويل من النضال ضد الاستعمار والتدخلات الخارجية، يتمتع بفهم عميق للتحديات التي تواجهها ليبيا. ولذلك، فإن دوره في تنظيم مؤتمر المصالحة سيكون حيوياً لتحقيق توافق بين الأطراف المختلفة.
كما أن مشاركة الاتحاد الإفريقي تعزز من فرص نجاح المؤتمر، حيث يُنظر إلى المنظمة الإفريقية على أنها أكثر قرباً وفهماً لواقع الأزمة الليبية مقارنة ببعض الجهات الدولية الأخرى.
بينما يظل المشهد الليبي معقداً وغير مستقر، فإن مبادرة الاتحاد الإفريقي لعقد مؤتمر المصالحة تمثل بصيص أمل للعديد من الليبيين الذين يطمحون إلى إنهاء حالة الفوضى والانقسامات. الأهمية التي يحظى بها هذا المؤتمر تتجاوز مجرد كونه لقاءً دبلوماسياً، بل هو فرصة حقيقية لإعادة بناء الثقة بين الأطراف الليبية، وفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد.
الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي يضعان أسساً جديدة لحل الصراع الليبي من خلال دعم مؤتمر مصالحة شامل. مع دخول الكونغو كمحرك رئيسي في هذه الجهود، ومع التزام أمريكي قوي، هناك أمل متجدد في أن تثمر هذه التحركات عن نتائج إيجابية على أرض الواقع. على الرغم من التحديات الكبيرة، فإن الدعم الدولي المشترك يوفر فرصة حقيقية لتحقيق السلام في ليبيا، وإنهاء حالة الانقسام التي دامت سنوات طويلة.