يشهد مصرف ليبيا المركزي مرحلة حساسة في تاريخه، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد. في هذا السياق، يبرز “نعمان البوري”، رئيس مجلس إدارة مصرف السراي الموقوف، وعضو مجلس إدارة مجموعة تداول المالية، كشخصية محورية تسعى إلى تقديم رؤية واضحة لإعادة بناء القطاع المصرفي. تركز رؤيته على معايير محددة لتعيين المحافظ والنائب بالمصرف المركزي بعد اعتماد الاتفاق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة.
أكد البوري في تصريحاته على أن تعيين القيادات الجديدة في المصرف المركزي يجب أن يعتمد على مبدأ الاستقلالية، بعيداً عن أي انتماءات سياسية، قبلية، أو مناطقية. يجب أن تكون هذه القيادات “تكنوقراط” ذوي كفاءة وخبرة في مجالات متعددة تشمل الاقتصاد، المالية، القانون، والاستراتيجية المصرفية. هذا الشرط ليس مجرد مطلب فني، بل هو ضرورة لضمان استقرار القطاع المصرفي بعيداً عن التوترات السياسية التي أثرت على المؤسسات المالية في البلاد.
يشير البوري إلى أن التاريخ الحديث للمصرف المركزي شهد تدخلات سياسية أثرت على قراراته واستقلاليته. ويشدد على أن القيادة المقبلة يجب أن تتمتع بالكفاءة اللازمة لإدارة الأزمات المالية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد. كما يركز على أهمية الخبرة في التعامل مع الملفات المالية المعقدة، التي تتطلب فهماً عميقاً للأسواق المالية وإدارة السيولة.
ضمن رؤيته، دعا البوري إلى تفعيل لجنة السياسات النقدية في المصرف المركزي. يرى أن هذه اللجنة يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من عمليات الإصلاح، حيث يمكنها لعب دور محوري في توجيه السياسات النقدية بما يخدم الاستقرار الاقتصادي ويعزز الثقة في النظام المصرفي. يعتبر تفعيل هذه اللجنة بمثابة جسر للتعاون بين المصرف المركزي والخبراء الاقتصاديين، سواء المحليين أو الدوليين، الذين يمكنهم تقديم مشورة قيمة في إعادة بناء المؤسسات المالية.
أشار البوري إلى أن الاستعانة بالخبرات المحلية والدولية ضروري لإعادة بناء المؤسسة المصرفية والقطاع المالي. هذا التعاون يجب أن يكون على مستوى عالٍ من الاحترافية والشمولية، مع تركيز خاص على الاستفادة من التجارب الناجحة في دول أخرى، التي مرت بأزمات مشابهة.
وفي هذا الإطار، يجب أن يكون الإصلاح المؤسسي شاملاً ومستداماً. البوري يرى أن هناك حاجة ملحة لتصحيح الأخطاء التي ارتُكبت في الماضي، لكنه في الوقت ذاته، يحث على ضرورة عدم شخصنة الخلافات أو الانتقام من الموظفين الذين تولوا مسؤولياتهم مؤخراً. يرى أن هؤلاء الموظفين يجب أن يُعاملوا باحترام، لأن ولاءهم يجب أن يكون للمؤسسة، وليس للأشخاص أو الجهات التي عيّنتهم.
من أبرز النقاط التي تطرق إليها البوري هي مسألة توحيد أرصدة المصارف في الشرق والغرب. يشير إلى أن وجود أرصدة منفصلة بين المصارف يمثل تحدياً كبيراً أمام وحدة المؤسسة المصرفية في البلاد، ويعزز من احتمالية استغلال هذه الفجوة لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية. يعتبر أن توحيد الأرصدة هو خطوة ضرورية لتعزيز الشفافية والمساءلة، ومنع نقل الأموال بشكل غير قانوني.
في ذات السياق، شدد البوري على أهمية مشاركة المصارف في التحقيقات التي تتعلق بالمخالفات المنسوبة إليها، والاستماع إليها قبل اتخاذ أي قرارات. يعتبر أن هذه الخطوة تعزز من الثقة بين المصارف والمؤسسات الرقابية، وتضمن الشفافية في اتخاذ القرارات المصيرية.
البوري يشدد على أن المصرف المركزي يجب أن يبقى مؤسسة فنية مستقلة، بعيدة عن التدخلات السياسية. يعتبر أن هذا الشرط هو أساس الاستقرار الاقتصادي، خاصة في بلد مثل ليبيا، الذي يعاني من انقسامات سياسية حادة. يرى أن الحفاظ على استقلالية المصرف المركزي هو الخطوة الأولى نحو إعادة بناء الثقة في النظام المالي، وتعزيز الاستقرار النقدي.
كما يرى أن التنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية هو عامل حاسم لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. يشير إلى أن غياب التنسيق بين هاتين السياستين كان من بين الأسباب الرئيسية للأزمات الاقتصادية المتكررة في ليبيا، وبالتالي يجب أن يكون هناك تعاون مستمر بين المصرف المركزي والجهات الحكومية لضمان تحقيق أهداف الاقتصاد الكلي.
في ختام رؤيته، أكد البوري على أهمية احترام وتنفيذ أحكام القضاء المتعلقة بالقطاع المصرفي. يرى أن الالتزام بالقانون هو أحد الأسس التي يجب أن تقوم عليها أي عملية إصلاحية، خاصة في مؤسسة حساسة مثل المصرف المركزي. كما دعا إلى ضرورة وقف أي عمليات تمويل حكومية خارج الميزانية، معتبراً أن هذا السلوك يعزز من الفساد ويعرقل عملية الإصلاح المالي.
تتجلى رؤية نعمان البوري في تقديم مجموعة من الحلول العملية والشاملة لإصلاح القطاع المصرفي في ليبيا. يعتمد طرحه على معايير واضحة تهدف إلى تعزيز استقلالية المصرف المركزي، تحسين كفاءة القيادات، وتفعيل الآليات الرقابية. وفي ظل التحديات التي تواجه البلاد، تعتبر هذه الرؤية بمثابة خارطة طريق يمكن أن تسهم في إعادة بناء الثقة في النظام المالي الليبي، وتحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي.