في ظل الأزمة المالية التي تعصف بليبيا، بات من الضروري أن تسعى جميع الجهات المعنية إلى التنسيق والعمل المشترك للخروج من نفق الظلام الاقتصادي. ولكن، على حد تعبير عضو مجلس النواب أسمهان بالعون، يبدو أن هناك تجاوزات خطيرة تتعلق بتدخل المجلس الرئاسي في اختصاصات لا تعود إليه، مما أثار استنكارًا واضحًا بين الأطراف السياسية المتأثرة بهذا التوجه.
“إن تدخل المجلس الرئاسي في مسألة مصرف ليبيا المركزي هو تجاوز صارخ لا يمكن السكوت عنه”، تقول بالعون. وتستند في هذا النقد إلى الاتفاق السياسي والقوانين الليبية التي حددت بشكل واضح الأدوار والمسؤوليات بين الهيئات الحكومية. فالتدخلات التي تحدث حاليًا ليست فقط غير مبررة قانونيًا، بل تشكل خطرًا مباشرًا على استقرار ليبيا الاقتصادي. الأزمات المالية غالبًا ما تكون محركًا للفوضى السياسية، وهو ما تسعى بالعون ومعها مجموعة كبيرة من النواب إلى تجنبه.
في مقابل الانتقادات اللاذعة لتصرفات المجلس الرئاسي، تشيد بالعون بالخطوات الإيجابية التي تم تحقيقها مؤخرًا بين مجلسي النواب والدولة. فقد تم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق مهم بين الجهتين، وهو ما وصفته بالعون بأنه “خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح”. هذا الاتفاق، الذي تم برعاية بعثة الأمم المتحدة، يحمل في طياته الأمل بإعادة ضبط المسار الاقتصادي الليبي المتدهور. إذ تشير بالعون إلى أن هذه الجهود ستسهم بشكل كبير في رفع قيمة الدينار الليبي الذي تعرض لضغوط هائلة خلال السنوات الأخيرة.
تقول بالعون: “استقرار الدينار الليبي سيكون له تأثير مباشر على حياة المواطن ورفاهيته”. هذا التوقع ليس مجرد أمنية، بل يرتكز على فهم عميق للعلاقة المتشابكة بين سعر الدولار وسعر الدينار. عندما يرتفع سعر الدولار، يعاني المواطن الليبي بشكل مباشر من ارتفاع الأسعار وتدهور القوة الشرائية. لكن عندما يبدأ الدينار في التعافي، سيكون لهذا الأثر العكسي، حيث سينخفض التضخم وستعود الثقة إلى الأسواق.
بينما تستمر الجهود لتحقيق الاستقرار المالي، تعود بالعون لتسليط الضوء على شخصية قد تكون محورية في المرحلة المقبلة، وهو ناجي عيسى. هذا الرجل، الذي يوصف بأنه “ابن المؤسسة المالية”، يتمتع بقبول واسع من أغلب أصحاب القرار في البلاد. خبرته في المجال المالي وإلمامه بالتحديات الراهنة يجعلان منه خيارًا مثاليًا لقيادة المؤسسة المالية في هذه المرحلة الحرجة. بالعون تقول بثقة: “سيكون لناجي عيسى أثر كبير بسبب خبرته في المجال وقبوله لدى أصحاب القرار”.
هذه الكلمات تعكس رغبة واضحة في الاستعانة بشخصيات ذات كفاءة وخبرة لتجاوز العقبات المالية. فالأزمة التي تمر بها ليبيا لا تحتمل المزيد من التجارب الفاشلة أو السياسات الارتجالية.
في نهاية المطاف، تظل بالعون ملتزمة بالمضي قدمًا في إنجاز الاستحقاقات الوطنية الضرورية. بالنسبة لها، الأزمة الاقتصادية ليست مجرد معضلة مالية، بل هي أزمة شاملة تهدد استقرار البلاد على كافة الأصعدة. وتؤكد: “ماضون في إنجاز هذا الاستحقاق الذي نراه ضروريًا لحلحلة معضلة الاقتصاد الوطني”.
إن هذا الإصرار يعكس تفاؤلًا مشوبًا بالحذر؛ فبالعون تدرك تمامًا أن النجاح في تجاوز هذه الأزمة يتطلب تضافر جهود كافة الأطراف السياسية والاقتصادية. التعاون بين مجلسي النواب والدولة هو عنصر أساسي، ولكن دون الابتعاد عن المسار القانوني الذي يحكم العلاقة بين الهيئات المختلفة. التدخلات غير المبررة قد تكون السبب في انهيار أي تقدم يُحقق، ولهذا فإن ضبط الاختصاصات واحترام القوانين هو المفتاح لتحقيق الاستقرار.
منذ بداية الأزمة الاقتصادية في ليبيا، والتي تفاقمت بشكل متسارع مع انهيار أسعار النفط والانقسامات السياسية، لم تتوقف المحاولات لإنقاذ البلاد من الانهيار المالي. ولكن بالرغم من ذلك، بقي الدينار الليبي في حالة من التدهور المستمر، وأصبح سعر الدولار هو المحدد الأساسي لحياة المواطن الليبي اليومية.
بالعون، وفي تحليلها للوضع، ترى أن الجهود المشتركة بين مجلسي النواب والدولة، بإشراف الأمم المتحدة، قد تكون الحل الأمثل لتحقيق هذا الاستقرار المنشود. لكنها تدرك تمامًا أن تحقيق هذا الهدف لن يكون سهلاً، خصوصًا مع تعقيدات الأزمة السياسية والتدخلات الخارجية.
من الواضح أن الأزمة المالية في ليبيا لا تزال بعيدة عن الحل النهائي. ولكن مع شخصيات مثل أسمهان بالعون التي تدعو إلى التعاون المؤسساتي والالتزام بالقوانين، ومع تعيين شخصيات خبيرة مثل ناجي عيسى في مناصب قيادية، قد نكون على أعتاب مرحلة جديدة من الاستقرار الاقتصادي. ولكن يبقى السؤال: هل سيستطيع الليبيون تجاوز خلافاتهم السياسية للوصول إلى هذا الهدف؟ الأيام المقبلة ستكون هي الحكم.