في مؤتمر صحفي عقده رئيس هيئة الرقابة الإدارية، عبدالله قادربوه، لعرض التقرير السنوي لعام 2023، تم تسليط الضوء على انحراف خطير في أداء المؤسسات العامة، مما استدعى دق ناقوس الخطر حول المسار الذي تسلكه الدولة. يشمل التقرير بيانات تمتد من عام 2011 حتى عام 2023، مسلطاً الضوء على التدهور في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم، مع التركيز على الإنفاق العام الذي لم يترجم إلى تحسينات ملموسة في حياة المواطنين.
قادربوه أكد أن الرقابة الإدارية رصدت تجاوزات واضحة، من انحراف المؤسسات عن مهامها المنوطة بها إلى تفاقم الأزمات التي باتت تعصف بالمجتمع الليبي. هذه التجاوزات لم تقتصر على الجوانب الاقتصادية، بل شملت جميع قطاعات الدولة. وأكد رئيس الهيئة على ضرورة إشراك كافة الجهات الرقابية والتنفيذية في تحمل المسؤولية، مع تقديم البيانات أمام السلطة التشريعية لمتابعة تصحيح المسار، مشددًا على أن الرقابة الإدارية قدمت البيانات بشفافية ودقة لتشكيل سياسة واضحة تضمن مستقبلًا أفضل.
أوضح التقرير السنوي أن هيئة الرقابة ليست مجرد جهة تقييم، بل تسعى لجعل جميع الأطراف شركاء في مسؤولية التصحيح. هذا يتطلب مشاركة السلطة التنفيذية والرقابية، مع تقديم هذه المعلومات للسلطة التشريعية. فالتقرير يقدم توصيات تستند إلى تحليل شامل للوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، مع إيضاح الأزمات التي يعاني منها المواطن الليبي.
قادربوه شدد على أن جميع البيانات تم تسجيلها بشكل دقيق ومدروس، بهدف تقديم رؤية مستقبلية للدولة. هذه الرؤية تستند إلى فهم الواقع الحالي وتحليل الأخطاء التي ارتكبت خلال السنوات الماضية. يأتي هذا في وقت حساس للدولة الليبية التي تعيش مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات.
أبرز ما جاء في التقرير هو غياب الثقة المطلقة من المواطنين في مؤسسات الدولة، خصوصاً فيما يتعلق بالخدمات الصحية والتعليمية. المواطن الليبي يشعر بأن حقه في الحصول على خدمات صحية وتعليمية مناسبة قد تلاشى، مما يعمق الإحساس بالتهميش وانعدام المواطنة. قادربوه أكد أن التدهور في هذين القطاعين الحيويين يعكس فشل الدولة في توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية.
المستشفيات العامة لم تعد توفر الرعاية الصحية التي يحتاجها المواطنون، مما جعل الثقة في قدرة المنظومة الصحية على تقديم العلاج منعدمة تمامًا. وبالمثل، فإن المدارس لم تعد توفر بيئة تعليمية ملائمة، بل بات التعليم في ليبيا يعاني من ضعف البنية التحتية ونقص الموارد. نتيجة لذلك، أصبح من الصعب تصور مستقبل جيل متعلم وقادر على الإسهام في بناء الدولة.
وسط هذا الكم من التحديات، حرصت هيئة الرقابة الإدارية على التأكيد بأنها تتبنى موقف الحياد التام بعيدًا عن التجاذبات السياسية التي تعصف بالبلاد. قادربوه أوضح أن الهيئة لم ولن تنحاز إلى أي طرف سياسي، بل تظل مؤسسة مستقلة تتبع السلطة التشريعية. هدفها الوحيد هو مراقبة الجهات الخاضعة لرقابتها وتقديم تقييم محايد وموضوعي لعملها.
إن هذا الموقف الحيادي يمنح الهيئة مصداقية كبيرة في نظر الشعب الليبي. فهي تعمل كصوت رقابي مستقل يراقب ويحذر دون الانجرار وراء أي أجندات سياسية. قادربوه شدد على أن أي محاولة للزج بالهيئة في الصراع السياسي ستقوض دورها الأساسي في حماية مصالح الشعب ومراقبة حسن سير مؤسسات الدولة.
في ختام المؤتمر، أكد رئيس الهيئة على أهمية التقرير السنوي كأداة لتصحيح مسار الدولة. إذ يقدم التقرير رؤية واضحة للتحديات التي تواجهها ليبيا، ويطرح حلولًا عملية لضمان استعادة الثقة في المؤسسات العامة. فالأمر لا يقتصر فقط على رصد المشاكل، بل يتطلب خطوات جريئة لتصحيح الأوضاع.
هيئة الرقابة الإدارية من خلال هذا التقرير تسعى لتقديم خارطة طريق تتضمن توصيات وإصلاحات حاسمة لضمان مستقبل أفضل. قادربوه دعا جميع الجهات المعنية إلى النظر بجدية إلى هذا التقرير، والبدء في تنفيذ السياسات التي تضمن تحقيق الأهداف المرجوة.