تشهد الساحة الليبية منذ سنوات أزمة سياسية وأمنية متفاقمة، تشابكت فيها مصالح القوى المحلية والدولية، مما جعل حل هذه الأزمة بالغ التعقيد. في هذا السياق، تبرز جهود القائم بأعمال المبعوث الأممي إلى ليبيا، ستيفاني خوري، كعنصر أساسي في محاولة إعادة بناء الاستقرار في البلاد، ولكنّ عضو مجلس النواب، حسن الزرقاء، يرى أنّ نجاح هذه الجهود مرهون بتدخلٍ أكبر من مجلس الأمن الدولي وتقديمه دعمًا فعّالاً للخطة الأممية.
الزرقاء أشار في تصريحات خاصة لـ “أخبار ليبيا 24”، إلى أنّ أحد الأسباب الأساسية لتعقيد الأزمة الليبية هو تدخل القوى الكبرى وتضارب مصالحها. روسيا وأمريكا، إلى جانب دول إقليمية أخرى، تلعب دورًا محوريًا في توجيه مسار الأحداث في ليبيا، ولكنّ هذا الدور غالبًا ما يتسم بالتنافس والصراع على النفوذ. ويعدّ الملف الليبي واحدًا من الملفات الحساسة التي تُظهر فيها القوى الدولية تضاربًا في مصالحها، مما يؤدي إلى عرقلة أي جهود تهدف إلى إحلال السلام أو التوصل إلى تسوية سياسية.
خوري، وفقًا للزرقاء، قد تكون قادرة على إنجاز اختراقات في بعض الملفات المهمة مثل توحيد المصرف المركزي الليبي، وهو خطوة حيوية لتعزيز استقرار الاقتصاد الوطني. ومع ذلك، يظل السؤال الأكبر هو قدرة خوري على معالجة الأزمة السياسية العميقة التي تعصف بالبلاد. ويرى الزرقاء أنّه بدون دعم مجلس الأمن، ستظل قدرة خوري محدودة، حيث إنّ الحل السياسي الشامل يتطلب تفاهمات بين الدول المتدخلة في ليبيا، وعلى رأسها روسيا وأمريكا.
مجلس الأمن يمتلك النفوذ والقوة اللازمة للضغط على هذه الدول للوصول إلى تفاهمات تسهم في تخفيف حدّة النزاع، وتوفير مناخ ملائم لتحقيق التسوية السياسية. ولكن السؤال المطروح هنا هو: هل مجلس الأمن مستعد للعب هذا الدور؟ وهل الدول المتصارعة مستعدة للتخلي عن بعض من مصالحها لصالح استقرار ليبيا؟
جانب آخر يضيف إلى تعقيدات الوضع الليبي هو الانقسام الحاد داخل السلطة التنفيذية. على الرغم من المحاولات المستمرة لتوحيد الحكومة الليبية، لا تزال الانقسامات السياسية عميقة بين الأطراف المتنازعة. هذا الانقسام لا يعطل فقط المؤسسات الحكومية، ولكنه يخلق أيضًا مناخًا من عدم الثقة بين الأطراف السياسية، مما يعمق من أزمة المصالحة الوطنية.
في ظل هذا الانقسام، تبدو الجهود الرامية إلى توحيد المؤسسات الوطنية وتفعيل دور الحكومة المركزية في حل الأزمة السياسية مهمة شبه مستحيلة. يشير الزرقاء إلى أنّه على الرغم من قدرة خوري على تحقيق بعض التقدم في ملفات محددة، فإنّ الحل النهائي يتطلب جهدًا دوليًا ومحليًا مشتركًا.
بينما يحذّر الزرقاء من الإفراط في التفاؤل بقدرة خوري على حل الأزمة الليبية بمفردها، يشير إلى أنّها قد تتمكن من معالجة بعض الملفات الفنية التي تعدّ ضرورية لبناء الأساس الاقتصادي والسياسي للدولة الليبية. ولكنّه يشدّد على أنّ الأمل في تحقيق اختراق حقيقي في الملف السياسي يظل مرهونًا بتوفير دعم دولي ملموس من مجلس الأمن.
وما يزيد من صعوبة الموقف هو عدم وجود توافق دولي حول كيفية التعامل مع الأزمة الليبية. كل طرف من الأطراف الدولية المتدخلة يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة، دون النظر إلى مصلحة ليبيا كدولة. في ظل هذه الظروف، يبقى دور مجلس الأمن غامضًا، ولا يزال مستقبل التسوية الليبية محفوفًا بالتحديات.
يشدّد الزرقاء على أنّ الحل لا يمكن أن يأتي من الداخل الليبي فقط، بل يتطلب تفاهمات دولية واسعة. وعلى الرغم من أنّ الأطراف الليبية يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من عملية الحل، فإنّ التدخلات الخارجية، خصوصًا من القوى الكبرى، تجعل من الصعب تحقيق الاستقرار دون اتفاق دولي.
وبالنظر إلى تعقيد الأوضاع في ليبيا، يظل دور مجلس الأمن الدولي أساسيًا في تقديم الضمانات اللازمة لتأمين توافقات سياسية واقتصادية حقيقية. فبدون هذه التفاهمات، ستظل الجهود الأممية، بما في ذلك جهود خوري، مجرد محاولات محدودة الأثر.
في الختام، تبدو جهود ماريا خوري خطوة مهمة في مسار حل الأزمة الليبية، ولكنها تظل خطوة واحدة في طريق طويل وشاق. النجاح الحقيقي في حل هذه الأزمة سيتطلب جهدًا دوليًا منسقًا، إلى جانب دعم محلي من الأطراف الليبية. دعم مجلس الأمن لخوري سيكون حاسمًا، ليس فقط في توحيد المؤسسات الليبية، ولكن أيضًا في تقديم ضمانات دولية للتفاهمات السياسية.
ختامًا، تبقى التوقعات حول قدرة خوري على إحداث اختراقات حذرة ومتواضعة.