في الوقت الذي يشهد فيه المشهد السياسي العديد من التحديات والانقسامات الداخلية، جاء حكم محكمة استئناف جنوب طرابلس ليعيد مجلس الدولة إلى نقطة ما قبل انتخابات رئاسة مجلس الدولة التي أجريت مؤخرًا. الحكم الصادر لصالح محمد تكالة ضد خالد المشري في الشق المستعجل من الطعن أثار تساؤلات حول مستقبل المجلس وقدرته على أداء مهامه وسط انشقاقات واضحة تهدد استمراريته.
بدأت الأزمة الحقيقية مع الانتخابات التي جرت مؤخرًا لاختيار رئيس مجلس الدولة، حيث أدت هذه الانتخابات إلى تفاقم الانقسامات بين أعضائه. عضو مجلس الدولة أمينة المحجوب أشارت في تصريحاتها إلى أن هذه الانتخابات زادت من تعميق الانقسامات داخل المجلس، وهو ما يحول دون قدرته على أداء أعماله وفق الاتفاق السياسي. وأضافت أن الحكم الأخير يعيد المجلس إلى نقطة الصفر، مؤكدة أن العودة إلى ما قبل الانتخابات هو الخيار الأمثل لضمان استمرارية أعمال المجلس بطريقة أكثر فعالية.
تشير المحجوب إلى أن الانقسامات الداخلية باتت تشكل خطرًا كبيرًا على المجلس، فبدلاً من أن يكون المجلس وحدة متماسكة تمثل مصالح الشعب الليبي، تحوّل إلى ساحة خلافات شخصية وصراعات على السلطة. وتابعت قائلة: “هذا الحكم يجب أن يكون نقطة تحول للمجلس ليعود إلى مساره الطبيعي”، مشيرة إلى أن الجلسة الأخيرة للمجلس التي عُقدت في السابع من أكتوبر توافق تمامًا مع حكم المحكمة، حيث لم يتم اعتماد أي نتائج لتلك الانتخابات.
أكدت المحجوب على ضرورة التزام جميع أعضاء المجلس بأحكام القضاء واحترامها، مشيرة إلى أن من يرفض الحضور للجلسة المقبلة ويسعى إلى شق عصا المجلس فإنه يتجه إلى تعميق الانقسام. وأوضحت أن الجلسة القادمة قد تكون حاسمة في استبعاد من تسببوا في هذه الأزمة، ولكن قد يُسمح لهم بالترشح من جديد في الانتخابات القادمة إذا ما توافق الأعضاء على ذلك.
في تصريح آخر، أكد عضو مجلس الدولة محمد أبو سنينة أن حكم محكمة استئناف جنوب طرابلس يمثل الفيصل في قضية الخلاف حول رئاسة المجلس. واستغرب أبو سنينة من الاعتراضات المتوقعة من بعض الأشخاص على هذا الحكم، مؤكدًا أن القضاء يجب أن يكون هو الحَكَم النهائي في هذه الأمور. وأشار إلى أن المجلس قرر في جلسته السابقة تحديد موعد نهائي لانتخابات مكتب الرئاسة قبل منتصف نوفمبر القادم.
أشار أبو سنينة إلى أن الخلافات حول رئاسة المجلس لا تستحق كل هذه التوترات، مشيرًا إلى أن الفترة الرئاسية لمجلس الدولة تستمر لمدة سنة واحدة فقط، وهي فترة غير كافية لتحقيق أي تقدم فعلي في خدمة الوطن. وقال: “من غير المنطقي أن نستهلك وقتنا في خلافات حول منصب لا يمنح صاحبه الوقت الكافي لتحقيق أي إنجاز يُذكر، بل يتحول المنصب إلى معركة لإعادة الترشح بدلاً من التركيز على العمل الوطني”.
يمثل حكم المحكمة خطوة هامة نحو إعادة ضبط الأمور داخل مجلس الدولة، خصوصًا وأن الخلافات الأخيرة أصبحت تهدد استمراريته. وأكدت المحجوب على أن الحكم يعيد المجلس إلى مساره الصحيح، مشيرة إلى أن الانقسامات التي ظهرت مؤخرًا كانت بمثابة معوق رئيسي أمام إنجاز المهام المحددة وفق الاتفاق السياسي.
من الواضح أن الأزمة داخل مجلس الدولة تتطلب حلولًا وسطية تستطيع أن تجمع الأطراف المختلفة على طاولة واحدة. ويرى المحللون السياسيون أن المجلس يجب أن يسعى إلى البحث عن توافق بين الأعضاء من خلال إعادة النظر في آلية انتخاب رئيس المجلس وضمان عدم تكرار الانقسامات التي شهدتها الانتخابات الأخيرة. وأشاروا إلى أن دور القضاء يجب أن يُحترم بعيدًا عن المصالح الشخصية والرغبات الفردية.
مع استمرار الصراع ، يبقى السؤال حول مدى استعداد أعضاء المجلس للعمل بروح الفريق والتخلي عن الخلافات التي قد تعوق أي تقدم فعلي. المحجوب أشارت إلى أن الآلية التي سيتوافق عليها الأعضاء في الجلسة القادمة ستكون حاسمة، مشيرة إلى أن المجلس سيد قراره ولن يتم فرض أي آلية خارجية عليه.